رئيس التحرير
عصام كامل

لو راجل املأ السد!

عفوا العنوان بالعامية المصرية الجميلة، لما فيها من تعبيرات أشد فصاحة من اللغة العربية الفصحى.. وفي هذه الجملة الموجزة يتلخص المزاج الشعبي المصرى، بل وقراره المحسوم، في مواجهة التلاعب الاثيوبي والملاوعة في مفاوضات لعشر سنوات كاملة بلا جدوى.


طوال الأسبوع الماضى، صدرت من مصر الرسمية، تحذيرات متصلة، فيها رفض قاطع للإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا، وأشدها كان تصريح وزير الرى بأن مصر لن تسمح ولن تقبل، ثم تصريح الرئيس السيسي أمس برفض مصر الأمر الواقع لتنفيذ الملء الثاني، في مؤتمره الصحفي بحضور رئيس بوروندى.. بالمناسبة هو خريج الكلية الحربية المصرية!

وكان آبى أحمد ظهر بعد اختفاء لفترة وجيزة وأعلن التحدي أمام البرلمان الإثيوبي، وأن أديس أبابا سوف تنفذ الملء الثاني في موسم الأمطار أول يوليو وأنها لو أخرت الملء فسوف تخسر مليار دولار. وتغافل أن الملء الثاني يهدد وجود وحياة وأرواح ملايين المصريين والسودانيين.

استفزت هذه التصريحات الشارع المصرى، ولا حديث للناس إلا السؤال عن سر جبروت وعناد آبي أحمد الذي كان أقسم بالله أمام كاميرات العالم في قصر الاتحادية أن مصر لن تضار ببناء السد.. وثبت الآن انه لم يقل الحقيقة وأنه كان يراوغ ولم يحترم كلمته ..

استفزازات إثيوبية
بات معروفا إذن أنه ليس رجل كلمة، وأنه يشترى الوقت ليفرض السد أمرا واقعا.. وصحيح إن الامارات دخلت علي الخط للوساطة..  لكن المزاج الشعبي المصرى يعرف أن هذه جولة أخرى من الأكاذيب الإثيوبية.. لقد رفضوا مشاركة الامم المتحدة والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.. وقالوا نكتفي بالاتحاد الافريقي.. الذي فشل بحق في لجم الأطماع والاستفزازات الإثيوبية.

يتسارع العداد نحو أول يوليو، وبينما مصر الرسمية متمسكة بالصبر، وقبول التفاوض علي أساس التوصل لاتفاق قانوني ملزم، فإن مصر الرأي العام تنزع الى المضى في المسار الذى فرضته أديس أبابا بنفسها: هدم السد..

لا توجد قيادة في العالم تقبل تعطيش شعبها.. وما تصر اثيوبيا على تنفيذه هو حرب ابادة.. لا يمكن أن تقبلها مصر الرسمية والشعبية، ولا الضمير العالمى . ولأننا نعتز بقدرات جيشنا، ونثق ثقة كاملة في قوة وحكمة القيادة السياسية، فإن شعار "لو راجل إملا السد"، بات خلاصة الموقف المصرى، ينطق به الشارع، وتنفذه الدولة وهى تحت التهديد بخطر داهم جراء بناء سد يمنع عنا النيل .

الصبر والصمت
وعند تأمل المشهد ستجد عجبا في تاريخ الذهاب الى الحرب في حياتنا العسكرية. كان الشعب المصرى هو من مارس أقصي وأقسى ألوان الضغط علي القيادة السياسية، أنور السادات، لاعلان الحرب وتحرير سيناء.. وأيامها كان الرئيس الراحل إلتزم بسياسة الصبر والصمت.. عام الحسم وعام الضباب ..كان السادات يعزز قدرات الجيش.. ويطورها ويضع خطط الاقتحام والحرب والخداع الاستراتيجي.. وانتصرنا عام ١٩٧٣

واليوم تبدو إثيوبيا مقبلة على إجرام أبشع من جريمة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء.. تعطيش مصر وتدميرها جوعا وتصحيرها.. وتجفيف نيلها..
وهذه المرة أيضا يمارس الشعب ضغوطا متصاعدة علي قياداته السياسية والعسكرية لتوجيه ضربة قاصمة للعجرفة الإثيوبية.

فيما سبق من حروب.. كانت القيادة السياسية تذهب الي الحرب ويتابعها الشعب.. ويدفع ثمن هزائمها.. ولانزال ندفع: اليمن. حرب يونيو.. وكلاهما مرتبط بالآخر سببا ونتيجة!

بالفعل.. لو راجل املأ السد!
الجريدة الرسمية