رئيس التحرير
عصام كامل

د. جودة عبد الخالق: معدلات نمو الاقتصاد المصرى وهمية لعدم شعور المواطن البسيط بها.. والكبارى لا تخلق قيمة مضافة | حوار

وزير التموين الأسبق
وزير التموين الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق
المواطن لا يتحمل الدفع باستمرار .. وأحذر من الوصول إلى حالة "القشة التي قصمت ظهر البعير"

الحكومة لم تستثمر أو تطور في القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة


الإصرار على استخدام نفس الآليات والأدوات الحالية في الاقتصاد المصرى يزيد معدلات التضخم والمديونية

وظيفة وزارة الصناعة والتجارة أصبحت تقديم الأراضي المرخصة للاستثمار الصناعى 

السياسة النقدية المتبعة تجعل التكاليف عالية والاقتصاد المصرى يعيش على ريع الموارد الطبيعية

متوسط دخل الفرد فى الهند نصف دخل الفرد لدينا ومع ذلك معدل ادخاره 25%

لا يمكن توقع حدوث تنمية مستدامة ولابد من حدوث تغيير جذرى في السياسات المطبقة ليكون لنا اقتصاد إنتاجى

يرى وزير التموين الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق أن الاقتصاد المصري يمر بأخطر مراحله وأكثرها صعوبة، معترفًا في الوقت ذاته بأنه تمكن في السنوات الأخيرة من تحقيق معدلات نمو معقولة، واعتبر عبد الخالق أن المواطن المصري أصبح يستفيد بشكل مباشر من هذه الطفرات، وهو ما لم يكن يحدث في فترات سابقة.

مؤكدًا في حوار لـ "فيتو" أن المشوار لا يزال طويلًا أمام الاقتصاد المصري حتى يصل إلى المستوى المأمول، بالشكل الذي ينعكس إيجابيًا على عموم المواطنين.. وإلى نص الحوار :

*في البداية كيف ترى الاقتصاد المصري في الفترة الحالية؟

الاقتصاد المصرى في الفترة الحالية في مفترق الطرق، ويمكن تشبيهه  بالطائرة وهى تغادر مجرى الإقلاع ، وهى أخطر مراحل الطائرة للصعود أو الهبوط، وبالتالى الاقتصاد المصرى حقق معدلات نمو معقولة وفقا للمعايير الدولية، لكن التجارب علمتنا أن معدل النمو ليس كافيا، بمعنى إذا لم يشعر المواطن البسيط بهذا النمو فهو نمو وهمى، سيؤدى إلى تفاوت واضح في الدخول والثروة.

*وما تقييمك لحزمة القرارات التي صدرت خلال العام المنقضى؟

القرارات التي صدرت خلال العام المنقضى كانت استجابة لمطالب فئات اجتماعية معينة وتجاهلا لمطالب فئات أخرى، فالقرارات جاءت تحت مسمى بناء مصر جديدة وجذب استثمارات ودعم الزراعة والصناعة، إلا أن هذا تجاهل العمل على وجود تنمية مستديمة من خلال الزراعة والصناعة والتعليم، وأرى أن الصناعة تعانى بدليل محاولات تصفية الحديد والصلب ومجمع ألومنيوم نجع حمادى وغيرها.

وأصبحت وظيفة وزارة الصناعة والتجارة تقديم الأراضي المرخصة للاستثمار الصناعى، وهذا يترتب عليه مزيد من مزاحمة المنتجات الأجنبية، أضف إلى ذلك أن السياسة النقدية المتبعة تجعل التكاليف عالية، أما في جانب الصحة فهناك جهود تبذل ولكن في شكل مبادرات، وفرق شاسع بين السياسات والمبادرات التي تبدأ وتنتهى عكس السياسة التي تكون مكملة، ومن هنا يجب علينا الاعتراف بأن الاقتصاد المصرى ريعى بالأساس ويعيش على ريع الموارد الطبيعية

*وهل ترى الاقتصاد المصرى بالفعل قائمًا على الجباية؟

هذا الأمر يتوقف على معنى تعريف الجباية، فإذا كان التعريف استغلال الحكومة لسلطتها في فرض رسوم وضرائب بمسميات مختلفة دون تقديم خدمات فهى جباية مثل فرض رسوم على الشواطئ ورسوم البناء، فهذه الوسائل لا علاقة لها بالإنتاج ويمكن أن يترتب عليها نتائج عكسية.

*هل اقتصاديات الجباية قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية؟

لا يمكن لاقتصاد الجباية أن يحقق التنمية الاقتصادية لأن لها أكثر من بُعد، لأنها لا تضمن أن ينمو الاقتصاد بمعدل معقول وملموس من خلال الإنتاج الذي يمثل قيمة مضافة، وبالتالى ما يخلق التنمية الاقتصادية هو الإنتاج باعتباره يمثل قيمة مضافة عن طريق الإنتاج الزراعى والصناعى.

أما زيادة الجباية فمن شأنه خفض فرص الاستثمار وارتفاع تكاليف الإنتاج ومن هنا لا يوجد أي تنمية اقتصادية بدون الإنتاج وبمعدل محترم خاصة أن معدل الادخار لدينا 14%، والمفترض أن يكون 20% لأن بلدًا مثل الهند متوسط دخل الفرد نحو نصف دخل الفرد لدينا ومع ذلك معدل ادخاره نحو 25%.

*ما سبب لجوء الحكومة إلى اقتصاد الجباية؟ وهل هذا ناتج عن قصور في طريقة تفكيرها أم استسهال؟

يجب أن نوضح أن اتجاه الحكومة لاقتصاد الجباية ليس استسهالا، وإنما نحتاج إلى تفسير علمى مثل: إقامة الطرق والكبارى والعقارات، فكل هذا لا يخلق قيمة مضافة إلى جانب ذلك أن فرض ضرائب على الأرباح والدخل لا يوفر قيمة مضافة أيضًا،  والحكومة لا تجد أمامها إلا هذا الحل باعتباره الأسهل، لأنها لم تستثمر أو تطور في القطاعات الإنتاجية التي يمكنها خلق قيمة مضافة مثل الزراعة والصناعة.

*وهل تعتقد أن المواطن قادر على الدفع إلى ما لا نهاية؟

الإجابة بالطبع لا.. لأن هناك منطقا يقول: "القشة التي قصمت ظهر البعير"، وهذه نقطة مهمة تحتاج لحساب سياسي واقتصادى دقيق للغاية، لأن المواطن لا يتحمل الدفع باستمرار، ولذلك نحذر من الوصول إلى حالة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، خاصة نحن لدينا: "رؤية مصر 2020-2030" وعنوانها الرئيسى التنمية المستدامة والتي لها أكثر من وجه، منها العدالة الاجتماعية وبناء البشر أي المواطن ومنها الاستثمار في قطاعات تدفع بالاقتصاد المصرى للأمام، والاستثمار في التعليم والبحث العلمى والتعلم من أخطاء الماضى.

*أيهما أولى من وجهة نظرك: بناء الحجر أم بناء الإنسان؟

بالطبع بناء المواطن والتاريخ به العبر، فالأبنية عبر التاريخ لم يتبق منها إلا القليل، لكن بناء المواطن والاستثمار في البشر يخلق قدرة وطنية على الإبداع والإنتاج وتحقيق بناء اقتصادى، ورغم أن البنية الأساسية كالدواء إلا أنه لا يجب أن يزيد على نسبة محدودة حتى لا تصيب قطاعات أخرى.

*برأيك..ما مستقبل الاقتصاد المصرى إذا أصر على آلياته وأدواته الحالية؟

الإصرار على استخدام نفس الآليات والأدوات الحالية في الاقتصاد المصرى يعنى الإضرار به في المستقبل من خلال تزايد معدلات التضخم وهذا يترتب عليه زيادة المديونية، لأن زيادة التضخم وتوقف الصناعة والتطوير الزراعي وعدم تطوير التعليم الذي يخلق نوعا من الاستقرار الاقتصادى مع الزراعة والصناعة ستكون نتائجه غير جيدة.

*كيف يكون لدى مصر اقتصاد تنموى وليس اقتصاد ريعى؟

أولا لا يوجد شىء اسمه اقتصاد تنموى، وإنما هناك اقتصاد إنتاجى يركز على تنمية وتطوير القطاعات الإنتاجية التي تخلق قيمه مضافة وفرص عمل جديدة منتجة وهذا يحقق أمرا مهما وهو العدالة الاجتماعية، وهذا للأسف غير موجود ولا يمكن أن نتوقع في ظل السياسات الحالية تنمية مستدامة، وبالتالى لابد أولا من حدوث تغيير جذرى في السياسات المطبقة، ليكون لنا اقتصاد إنتاجى.

*وما روشتة الإصلاح الاقتصادى من وجهة نظرك بحيث تكون قابلة للتطبيق؟

أي إصلاح اقتصادى يجب أن يكون حازما في قضية الاستقرار الاقتصادى، وهو أمر حاليا في مهب الريح، وهذا الاستقرار أهم عناصره قيمة العملة الداخلية والحفاظ عليها، لأنه كلما زادت قيمة العملة تستقر الأسعار، لكن إذا انخفضت زادت الأسعار ورغم تخفيض قيمة العملة أكثر من مرة إلا أنها لم تحل المشكلة.

وهذا كان له آثار اجتماعية سلبية، وبالتالى لابد للبنك المركزى ووزارة المالية من مراجعة السياسات المالية والنقدية، وعلى رأسها قيمة النقد وارتفاع معدلات التضخم، بالإضافة إلى أهمية إعطاء أولوية مطلقة للزراعة والصناعة والتعليم لصعوبة بناء اقتصاد متطور في ظل ارتفاع معدلات الأمية، وهناك دول عربية وإفريقية حققت طفرات في هذا المجال، رغم أن الدستور لدينا ينص على التزام الحكومة بوضع خطط للقضاء على الأمية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية