رئيس التحرير
عصام كامل

صائدة الطغاة.. فاتو بانسودا سيدة أفريقية هزت أرجاء تل أبيب وأغضبت ترامب وبوتين

فاتو بانسودا
فاتو بانسودا
قبل رحيلها عن منصب "المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية" قررت السيدة صاحبة الأصول الإفريقية "فاتو بانسودا" اختتام فترة توليها للمنصب بتفجير قنبلة مدوية هزت أرجاء تل أبيب، ما دفع قادة الكيان الصهيوني إلى الهرولة لاستعطاف المجتمع الدولي والتنديد بقرارها، بعد أن أدت صفقات التطبيع المبرمة مؤخراً بين إسرائيل وعدد من الدول العربية إلى "توحش الكيان الصهيوني" وشعور قادته بنشوة الانتصار.


"فاتو بانسودا"، محامية جامبية، ولدت في 31 يناير 1961، كافحت من أجل التدرج في مناصب المحكمة الجنائية الدولية حتى وصولها في عام 2011 وحتى يومنا هذا إلى منصب "المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية".

غادرت بانسودا إلى نيجيريا لدراسة القانون في جامعة إيف، كما حصلت علي دبلوم في القانون من جامعة لاجوس، كذلك تولت العديد من المناصب في بلادها، أبرزها مستشار رئيس البلاد ووزيرة العدل.



عُينت مستشارة قانونية في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في 2002، ثم شغلت منصب نائب المدعي العام المسؤول عن شعبة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2004، بالإضافة إلى توليها منصب المستشار القانوني، والمحامي، في المحكمة الجنائية الدولية.

القضية الفلسطينية
كانت المدعية العامة للمحكمة فاتو بنسودا، تعمل منذ ديسمبر 2019، علي ملف فرض الولاية القضائية على الأراضي الفلسطينية، لتفاجئ الجميع قبل انقضاء فترة ولايتها المقرر لها يونيو المقبل، وتفجر القضية التي أربكت قادة إسرائيل.

ففي 5 فبراير 2021، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قراراً، يقضي بأن المحكمة ومقرها لاهاي لها ولاية قضائية على جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية ما يفتح المجال أمام تحقيق محتمل.

وقال القضاة في المحكمة الدولية" إن القرار استند على قواعد الاختصاصات القضائية المنصوص عليها في وثائق تأسيس المحكمة، ولا يشمل أي محاولة لتحديد وضع دولة أو حدود قانونية.

ووصفت المدعية العامة، الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كجناة محتملين.

ماذا يعني فرض المحكمة الدولية الولاية القضائية على فلسطين؟

منذ ديسمبر 2019، تنظر "المحكمة الجنائية الدولية" في مسائل اختصاصها القضائي حول جرائم حرب وغيرها من الانتهاكات الخطيرة "التي ارتُكبت في جميع أنحاء أراضي دولة فلسطين.

وعبّر مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون، وكذلك دول ومنظمات وأفراد مختلفين، عن آرائهم حول هذا الأمر، وكان يتوجّب على "مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية" الرد على هذه الطلبات.

ويري المحللون أن خطوة إعلان المحكمة الجنائية الدولية الأخير بشأن فرض الولاية القضائية على الأراضي الفلسطينية، قد يساهم في وضع مواطنون إسرائيليون وفلسطينيون في قفص الاتهام بلاهاي، ويُحتمل أن يشمل كبار السياسيين والضباط العسكريين.

اختصاصات المحكمة

تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في 1 يوليو 2002، وتتمثل سلطتها في ممارسة ولايتها القضائية على أشخاص فيما يتعلق بأخطر الجرائم التي تثير قلقاً دولياً، والمعروفة بأنها "جرائم الإبادة الجماعية"، و "الجرائم ضد الإنسانية" و"جرائم الحرب" و"جرائم العدوان".

والأهم من ذلك أن ولاية «المحكمة الجنائية الدولية» "مكمّلة للولاية القضائية الجنائية الوطنية.

يشار إلى أن هناك 123 دولة طرفاً في النظام الأساسي، وقد وقّعت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل عام 2000، ولكنهما أبلغتا الأمين العام للأمم المتحدة بعد ذلك بعامين أنهما لن تصادقا عليه، وبالتالي لن تكونا مقيّدتين بأي التزامات تترتب عليه.

وبدون هذا التصديق، فإنهما ليستا طرفاً في المعاهدة.

ارتباك إسرائيلي

رفضت إسرائيل الولاية القضائية للمحكمة على الأراضي الفلسطينية، واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرار المحكمة الجنائية الدولية "معاداة صريحة للسامية".

وقال نتنياهو في بيان: "عندما تحقق المحكمة الجنائية الدولية مع إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وهمية، فإن ذلك يعد معاداة للسامية".

وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي: "المحكمة الجنائية الدولية تدعي أنه عندما تدافع إسرائيل وهي دولة ديمقراطية عن نفسها ضد الإرهابيين الذين يقتلون أطفالها ويرسلون الصواريخ إلى مدنها، فإنها ترتكب جريمة حرب".

ثم هرول المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينيت" لعقد جلسة لمناقشة تداعيات قرار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وأكد مسؤولون في إسرائيل أن المحكمة لم تباشر بعد التحقيق ضد شخصيات إسرائيلية بهذه الشبهة، ولكن قرارها يمهد الطريق لمثل هذا التحقيق. 

وزعم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيخاي ماندلبليت، إنه "لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية بموجب القانون الدولي".

ويرى المحللون والمراقبون أن قرار المحكمة الدولية بشأن فرض الولاية القضائية على الأراضي الفلسطينية، لن يمثل تغييراً كبيراً علي أرض الواقع، إلا أنه قد يساهم في كبح جماح قادة الكيان الصهيوني، خوفاً من أي محاولات محتملة لوضعهم خلف القضبان ومحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وأوضح المحللون أنه نظراً للحالة التي تعيشها أغلب الشعوب العربية مؤخراً، استطاع الاحتلال الإسرائيلي، أن يصول ويجول في المنطقة العربية دون خوف من أي عواقب أو مسائلة، ما يعزز من قرار المحكمة الدولية الذي قد يساهم في دفع قادة إسرائيل للتفكير مرارا قبل أي تصعيد عسكري أو أي جريمة تدخل ضمن اختصاصات المحكمة الدولية.

ترامب وبانسودا

في 5 مارس 2020، وافقت المحكمة الجنائية الدولية على إجراء تحقيق في جرائم الحرب المحتملة في أفغانستان، وهو ما سوف يشمل اتهامات ضد القوات الأمريكية والأفغانية ومسلحي طالبان.

وتشمل القضية أيضا جنودا وعاملين في وكالة الاستخبارات المركزية، ويمكن أن يشمل أيضا مراكز اعتقال سرية مشتبه بها خارج أفغانستان.

وتعتقد بنسودا أن هناك أسسا يمكن الاستناد إليها لفتح تحقيق في انتهاكات ارتُكبت بين عامي 2003 و2014، بما في ذلك قتل جماعي للمدنيين على يد طالبان واتهامات بتعذيب سجناء على يد السلطات الأفغانية وأيضا من جانب القوات الأمريكية والمخابرات المركزية الأمريكية.

من جانبه، قال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إن بلاده سوف ترد بقوة على كل المحاولات لإخضاع الأمريكيين أو حلفائهم للمحاكمة الجنائية.

كذلك فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيودا على السفر وعقوبات أخرى على موظفي المحكمة قبل عام.

ويسمح القرار التنفيذي، الذي أصدره الرئيس الأمريكي، للولايات المتحدة بتجميد أصول موظفي المحكمة الجنائية الدولية، ومنعهم من دخول أراضيها.


بوتين وبانسودا

أعلنت روسيا في 16 نوفمبر 2016، رسميًا عن سحب توقيعها على نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية (ما يعني خروج الأراضي الروسية من تحت صلاحيات المحكمة)، مؤكدة أنّ المحكمة "تفتقر إلى الاستقلالية" وفشلت في تلبية تطلعات المجتمع الدولي.

وأضافت روسيا آنذاك: أن "المحكمة لم تكن على مستوى الآمال التي علقت عليها ولم تتحول قط إلى مؤسسة مستقلة فعليا تشكل مرجعية في العدالة الدولية".

واتهمت موسكو المحكمة بالتركيز على اتهامات لميليشيات اوسيتية وقوات روسية بارتكاب جرائم حرب اثناء الحرب الروسية الجورجية القصيرة في اغسطس 2008، وغض النظر عما ارتكبته القوات الجورجية.

يشار إلي أن اتفاقية روما، دخلت حيز التنفيذ في عام 2002، وشكلت الأساس لعمل المحكمة الجنائية الدولية، لكن عددًا من الدول لم ينضم إليها، ومنها الولايات المتحدة والصين وأوكرانيا.

وجاء قرار بوتين بعد يوم من إدلاء المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بتصريحات أثارت استياء شديدًا في موسكو، إذ وصفت بنسودا الأحداث التي أدت إلى انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا بأنّها كانت "حربا شنتها روسيا ضد أوكرانيا".

واعتبرت بانسودا، القرم منطقة محتلة، مشيرة إلى أن محققي المحكمة يعملون بنشاط من أجل تحديد ما إذا كانت روسيا تتحكم بـ"التشكيلات المسلحة" في جنوب شرقي أوكرانيا.

ولم تستبعد بنسودا آنذاك، أن تعتبر المحكمة في أعقاب هذه التحقيقات، أحداث الأزمة الأوكرانية صراعًا مسلحًا تشارك فيه روسيا.
الجريدة الرسمية