رئيس التحرير
عصام كامل

"الغريب" مر من هنا.. حكايات من قلب ثورة 25 يناير.. قصة فتى المدرعة المجهول.. الشهيد المبتسم.. والجثة رقم 11

شهداء 25 يناير
شهداء 25 يناير
لم تكد «حكايات الغريب»، للأديب جمال الغيطاني، تتوقف عند حرب أكتوبر، حتى عادت مرة أخرى في ثورة 25 يناير، المشاهد كثيرة والحكايات مختلفة لكن الغريب واحد، بحثنا كثيرًا عنهم، عن بطل وقف في وجه مدرعة دون أن يحرك ساكنًا، وصورة لشهيد تعلو وجهه ابتسامة، ومشهد آخر لسيدة صعيدية تبحث عن ابنها الوحيد بين رفات الموتى.



فتى المدرعة المجهول

بعد بحث مضنٍ قادتنا أقدامنا هناك، في وسط مدينة القاهرة، وفي أحد الشوارع القريبة من ميدان التحرير، حيث بدأت تجمعات الشباب المطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والعيش، خرج شاب مجهول حاول أن يمنع مدرعة من أن تصل إلى أصدقائه هناك في ميدان التحرير، ملامح الشاب غير واضحة، لم نعرف عنه الكثير، نسجت حوله حكايات كثيرة.

قيل إن الشاب يدعى كريم رضا، طالب بكلية نظم المعلومات، خرج مع أصدقائه لميدان التحرير في يوم الغضب، لكن قوات الأمن المركزي حالت دون وصول الشباب إلى ميدان التحرير، وتقدمت أول سيارة في شارع القصر العيني هنا ظهر كريم وقف أمام المدرعة، وأقسم ألا يتحرك من أمامها.

وقف بجسده ثابتًا أمام المدرعة التي حاول قائدها أن يبعده وأطلق المياه الساخنة، ليتحرك كريم بعيدًا عن المدرعة، لكن الشاب رفض، وانطلقت أصوات من بعيد تردد كلمة واحدة «راجل .. راجل.. راجل».

رغم تأكيد البعض أن الشاب كريم هو من تصدى للمدرعة، لكن آخرين قالوا لم يكن كريم، بل كان شاب آخر مجهول، أطلقوا عليه رجل المدرعة، رفض إجراء حوارات مع الإعلام أو أن يكشف عن شخصيته، ليعلق في أذهان المصريين والعالم أجمع برجل المدرعة، الشاب المصري الشجاع الذي احتل غلاف التايمز ووصفته جريدة الريبوبليكا الإيطالية بالشجاعة.



الجثة رقم 11

على بُعد أمتار ليست بالقليلة، وفي شارع رمسيس تحديدًا في ثلاجة الموتى بمستشفى «الهلال» كانت حكاية أخرى للغريب، وقف أمامها الجميع في حيرة، فقد ظهرت جثة الغريب المجهول، لم يعرف له أحدًا اسم، فأطلقوا عليه اسم «الجثة رقم 11»، سقط الغريب صريعًا في الساعة الثانية عشر مساء يوم جمعة الغضب، برصاصة اخترقت صدره فلم يقاوم الموت.

لم يكن الغريب خائفًا أو حزينًا، لكنه كان مبتسمًا، حملت ابتسامته آلاف المعاني، وكأنه يقول تخلص الجسد من الظلم، وأصبحت الروح حرة طليقة في حياة أخرى أكثر رحابة من الدنيا الضيقة التي كان يعيش فيها الجسد، فارقت روح الشهيد المبتسم جسده على أعتاب ميدان التحرير.

ظهرت صورة الشهيد المبتسم في وسائل الإعلام بحثًا عن أهله، لكنه ظل لغزًا، كان غريبًا نزل ميدان التحرير يوم 28 يناير، وشارك في الثورة ومات ودفن ولم يعرف أحد عنه شيئا، لم ينضم إلى لائحة شهداء يناير، أو يصرف لأهله معاش استثنائي، جاء وحيدا ورحل مجهولا، فقط كان رقما في عداد الشهداء.

بارقة أمل ظهرت عندما تعرف عليه أحد الأشخاص وبدأ التجهيز لدفنه ولكن زوجة الرجل قالت «مش ابني»، ليعود مرة أخرى للثلاجة حاملا نفس الرقم (11).

شباب الثورة لفوا جسده بعلم مصر، وهنا جاءت أسرة من الشرقية تعرفت الأم عليه في مشهد إنساني حمل دموعا وألما ولكن تحليل الـ«دى إن إيه» أثبت المفاجأة «ليس ابنهم».


الشهيد المبتسم

وهنا عادت جثة «الشهيد المبتسم» مرة أخرى إلى الثلاجة مجهولًا لا يُعرف عنه شيء إلا رقمًا في عداد الموتى وابتسامة ظلت عالقة في ملامح وجهه حتى دُفن، بعد أن ظلت جثته داخل مستشفى الهلال لمدة شهرين.

لم تتوقف حكايات الغريب، فقد جاءت أم عمر من أقصى الصعيد للبحث عن ابنها المختفي بعد أربعة أشهر من انطلاق ثورة 25 يناير، كانت أم عمر السيدة الخمسينية «رضا» تحتضن صورته، وأخذت تبحث عنه في الشوارع والمستشفيات والأقسام، عليها تعرف عنه شيء، أو أن يكون أحد المشاركين في الثورة شاهده هناك في الميدان.

الصورة كانت تحمل ملامح الأسى، فقد كان عمر هو العائل الوحيد لأسرته، أخ لثلاث فتيات، حاولت أسرته البحث عنه في كل المستشفيات، وفي قسم دار السلام، الذى تعيش فى نطاقه الأسرة حرروا محضر إداري برقم 1380/2012.

وبعد بحثٍ مضنٍ، ذهبت الأسرة إلى مشرحة زينهم، في غرفة الموتى المجهولين للبحث عن جثة عمر، كانت الجثث كثيرة ووضعت في ثلاجات الموتى منذ أشهر، فتغيرت ملامحها، كانت كل جثة مثبت بها ورقة مدون عليها تاريخ دخولها المشرحة وطبيعة حادثة الموت ورقم المحضر، لتجد شقيقة عمر جثة لشاب عشريني يشبه شقيقها عمر، احتضنته في ألم وأخذت في البكاء.

لكن ملامح الجثة كانت مختلفة بعض الشيء، أرادت شقيقة عمر التأكد من أن الجثة لشقيقها، لكن عامل المشرحة أكد لها أن تحليل الـ «دي أن أي» سيكلفها الكثير، فما كان من الأسرة الفقيرة إلا أن أخذت جثة الشاب العشريني، لتكرمه بالدفن، لكن هل حقًا كانت الجثة للشاب الصعيدي عمر، الذي شارك في ثورة 25 يناير، لا أحد يعرف. الحكايات كثيرة لكن الغريب واحد.
الجريدة الرسمية