رئيس التحرير
عصام كامل

لأول مرة منذ 20 عامًا.. "سيوة" واحة أنقذتها "الزراعة".. مشروعات لتثبيت الرمال.. وإدخال إنتاج الدواجن والخضراوات

واحة سيوة
واحة سيوة
«الزراعة أول خطوة في طريق التنمية والسياحة».. معادلة غريبة استطاعت واحة سيوة تحقيقها وجعلها أمرا واقعا، فالواحة التي تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى قبلة يؤمها الباحثون عن الجمال والراحة والهدوء.


وتحديدا خلال 3 عقود ماضية حيث عملت وزارة الزراعة عبر مركز بحوث الصحراء على تنمية واحة سيوة، وتأسيس النماذج التطبيقية المناسبة لحل مشكلات الواحة المهددة بتآكل المساحات الصالحة للعيش فيها، وارتفاع درجات ملوحة المياه والتربة، وانحسار اقتصادها على بعض المنتجات الزراعية القليلة مثل الزيتون والنخيل رغم تميزهما فعلا، لكن تنوع المنتجات الزراعية وتنمية الإنتاج الحيواني كانا ضروريين لتواكب سيوة نمو الإقبال السياحي عليها خلال السنوات الأخيرة.

واحة خيالية

16% من مساحة مصر تتكون من كثبان رملية ممتدة عبر الصحارى المنتشرة بطول مصر وعرضها، ويهوى كثيرون استكشاف سحرها والاستمتاع بصفاء الصحراء بمغامرات السفاري التي يعرف دروبها أهل سيوة، يضم بحر الرمال الأعظم وحده قرابة 82% من مساحة الكثبان في مصر.

وتبدأ تلال الكثبان الرملية رحلتها في بحر الرمال الأعظم من الحافة الجنوبية لواحة سيوة التي تعاني كثيرا من هجوم الرمال بفعل تحرك رؤوس الكثبان مع الرياح العاتية.

الدكتور عبد الله زغلول، رئيس مركز بحوث الصحراء، الذي يعمل من خلال علمائه على تثبيت الكثبان الرملية في سيوة منذ تسعينيات القرن الماضي، قال لـ"فيتو": الكثبان الرملية تمثل عائقا كبيرا أمام التنمية في الصحراء الغربية وواحة سيوة على وجه الخصوص، فهبات الرياح الموسمية تحرك رءوس الكثبان، وتقذف على الواحة الرمال القادرة على أن تطمر المنازل والطرق والمجاري المائية، وهو ما يستحيل معه التوسع في الرقعة الزراعية.

الزراعة

وهو ما جعل مساحات شاسعة من ظهير واحة سيوة غير مؤهلة للزراعة، رغم توافر التربة والمياه المناسبة، لكننا نجحنا في إيجاد حلول للتغلب على هذا العائق من خلال مشروعات تثبيت الكثبان، بوضع المصدات الطبيعية في اتجاه الرياح من خلال استغلال مياه الصرف الزراعي ومنخفضة الجودة لزراعة الغابات الشجرية من أشجار الكافور والجازورين والبروسوبساو مواجهة الرياح المحملة بالرمال من خلال الأسوار المصنوعة من جريد النخيل.

«زغلول» أكد أن عمليات تثبيت الكثبان الرملية في محيط واحة سيوة دفعت الاستثمار الزراعي فيها خلال العشرين عاما الأخيرة إلى التوسع في آلاف الأفدنة التي أضافت للمنطقة بعدا اقتصاديا جديدا ساهم في تطوير الممارسات الزراعية التي حسنت من إنتاجية المزارعين في سيوة، وهو ما نجحنا في نشره بين المزارعين بشكل عام من خلال محطة سيوة البحثية التي تضم مزرعتي «تجزرتي» و«خميسة».

الكثبان الرملية

فى رحلتنا إلى «سيوة» رافقنا الدكتور أنور أبو بكر، نائب رئيس محطة بحوث سيوة، التابعة لمركز بحوث الصحراء، وبطبيعة النشأة والحياة، فهو على دراية كبيرة بمشكلات الواحة والحلول الواجب تنفيذها لزيادة الاستثمار الزراعي، ومنها النماذج التطبيقية التي نفذها مركز بحوث الصحراء في مناطق الكثبان الرملية.

والتي كانت المرشد الأول لأهالي الواحة للتوسع في الزراعة في محيط الكثبان دون القلق من طمر زراعاتهم أو المجاري المائية التي تنقل المياه لأراضيهم.

«أبو بكر» عاد بالذاكرة إلى بداية العمل على تثبيت الكثبان الرملية قبل أكثر من 20 عاما من خلال قسم الكثبان الرملية في مركز بحوث الصحراء، وهو الوحيد من نوعه في كافة الهيئات البحثية المصرية الذي يتفرد بهذا التخصص النادر، مشيرًا إلى أن مهمة التثبيت تبدأ أولا بزراعة مصائد الرمال أسفل الكثيب، وهي عبارة عن 8 أعمدة معدنية قصيرة بها فتحات طولية وتثبت بشكل دائري في الاتجاهات الرئيسية.

ويتم قراءة نتائجها كل شهر لتحديد أي اتجاه تحمل فيه الرياح الرمال، ويتم نصب المصدات فيه أو البدء في عملية التثبيت بزراعة الغابات الشجرية، وبعدها يمكن العمل على تأسيس المزارع أسفل الكثبان بعد السيطرة على مخاطرها الاقتصادية الكبيرة.

شبح الملوحة

في قلب واحة سيوة 4 بحيرات، يمتزج فيها مشهد التكوينات الصخرية البديعة مع انعكاس الشمس على صفحة الماء، على ضفافها شيدت المنتجعات السياحية البدوية وأصبحت وجهة سياحية مميزة.

لكن للصورة جانب آخر يدمي قلوب أبناء سيوة المدركين للأثر السلبي لتلك البحيرات الصغيرة التي تكونت بفعل توجيه مياه الصرف الزراعي، وروى لنا الدكتور أنور أبو بكر، تفاصيل حلم أهالي سيوة في الانتهاء من كابوس تلك البحيرات التي ترتفع فيها ملوحة المياه من 30 إلى 70 ألف جزء من المليون.

وهى درجة ملوحة مرتفعة جدا تتسبب في زيادة الماء الأرضي في المزارع المتاخمة للبحيرات، وتقترب به إلى متر واحد من سطح الأرض، إلى جانب الكارثة الأكبر في تملح الأراضي وبوارها، وهو آثر يمكن التأكد منه بالمرور في جولة صغيرة في المزارع التي تقع على ضفاف تلك البحيرات، حيث مساحات كبيرة من بساتين الزيتون والنخيل الميتة التي تركها أصحابها للبوار بعد أن فشلوا في مواجهة شبح الملوحة وارتفاع الماء الأرضي.

مصرف

وشدد «أنور» على أن مطلب أبناء سيوة، يتمثل في إنشاء مصرف رئيسي تصب فيه المصارف الفرعية لتوجيه مياه الصرف الزراعي إلى منطقة بعيدة خارج الواحة، حتى لا يزيد تأثيرها على الأراضي الزراعية الجيدة التي تستسلم يوم بعد الآخر لارتفاع الملوحة.

ويظهر تأثير الملوحة واضحًا على مزرعة «مجدي» أحد أبناء سيوة، بعد أن بارت مساحات يمتلكها من أشجار الزيتون والنخيل وتركها على حالها لعجز الحلول التي حاول تطبيقها.

وقال «مجدي»: فقدت الأمل في مزرعتي الأولى ومساحتها فدانان بعد أن تسبب ارتفاع الماء الأرضي في خنق جذور الأشجار، وزادت الملوحة من المشكلة، وماتت الأشجار والنخيل في المزرعة.

والآن أخوض محاولات لإنقاذ المزرعة الثانية لكن الأمل ضعيف فنحن نروي بمياه مرتفعة الملوحة نسبيا، والمشكلة الأكبر أن الماء الأرضي القريب جدا مرتفع الملوحة أيضا وبالتالي فالمشكلة تتفاقم على مستوى الحلول يعمل مركز بحوث الصحراء، ممثلا عن وزارة الزراعة، مع عدة جهات معنية منها وزارة الري والموارد المائية على حفر عدة آبار عميقة لتوفير مياه الرى منخفضة الملوحة للمزارعين، بعد أن زادت ملوحة مياه الآبار السطحية الخاصة بهم.

وتسببت في تراكم مشكلات ارتفاع الملوحة في مساحات كبيرة داخل الواحة، وهو حل رغم أهميته لكنه يبقى استثنائيا أمام المطلب الأكبر، والذي يتمثل في نقل الصرف الزراعي للواحة إلى منطقة بعيدة خارجها.

النظام الغذائي

أكثر من 25 ألف نسمة، تعداد سكان واحة سيوة، ظلوا لعقود طويلة يقتصر نظامهم الغذائي على ما تجود به الطبيعة الصحراوية من أصناف النباتات الملائمة للمناخ والتربة والمياه في الواحة.

لكن مع رغبة الدولة في تطوير الحياة في الواحة واعتبارها منطقة جذب سياحي مهمة، أصبح من الواجب تطوير الزراعة والإنتاج الحيواني والداجي لتوفير الحد الأدنى من احتياجات الواحة من الخضراوات والدواجن والبيض وهي منتجات لم تكن معروفة في الواحة قبل عشرين عاما حين قرر مركز بحوث الصحراء التدخل وإنشاء بطاريات إنتاج دواجن اللحم والدواجن البياض لإنتاج البيض.

وكشف المهندس يحيي عبد الله، مدير مزرعة تجزرتي البحثية، التابعة لمركز بحوث الصحراء، أن المركز أدخل عديد من أصناف الدواجن لواحة سيوة لأول مرة قبل 20 عاما وخاصة الأصناف البلدية مثل صنف دقي وجيزة وجميزة، والتي ساهم المركز في نشر تربيتها وإنتاجيها بين أهالي سيوة حين لم تكن علاقتهم بلحوم الطيور كالدجاج وثيقة قبل عمل المركز على توفير الدواجن داخل الواحة.

وهو ما حفز عددا من المربين من أبناء سيوة على انتقاء السلالات التي وفرها المركز وتفريخها، ووصلنا الآن لعمل 7 مواطنين في استثمارات مزارع إنتاج الكتاكيت التربية ودواجن إنتاج البيض ويمكن للواحة الآن أن توفر جزءا كبيرا من احتياجاتها.

وأشار «يحيي» إلى أن توفير الخضراوات الطازجة كان من الأحلام في سيوة سابقا لكن إدخال مركز بحوث الصحراء الصوب الزراعية إلى الواحة لإنتاج الخضراوات الأساسية كالخيار والطماطم والفلفل وغيرها من المنتجات الأكثر طلبا قلص الفجوة في الاحتياجات الأساسية من الخضر، وتمكن المركز من نشر خبراته بين أبناء الواحة في إنتاج شتلات الخضر للزراعة في الصوب الزراعية، أو بنظام التحميل على زراعات الزيتون والنخيل.

نقلًا عن العدد الورقي..،
الجريدة الرسمية