رئيس التحرير
عصام كامل

يا أخي خليها على الله!

الليلة، ٣١ ديسمبر، تنتهي السنة التى يمقتها كل سكان العالم. الليلة عند دقات الساعة الثانية عشرة ترحل سنة كئيبة قاتلة، ويتهيأ الناس لاستقبال سنة جديدة وكلهم رجاء أن تكون أخف وطأة، وأكثر رحمة، وأقل فقدا للأحباب والأصحاب. واعتاد الناس ليس في مصر فقط، بل في العالم، المتقدم والمتأخر مطالعة العرافين والدجالين والمشعوذين والمشايخ، يسألونهم عن أحداث اليوم التالي والسنة الجديدة. 


ماذا سيحدث. من سيخسر. من سيكسب. من سيمرض. الحروب. السلام. الحب. البغضاء. الفلوس بالطبع على رأس قائمة الاستطلاعات. الأسبوع الأخير من كل سنة هو أسبوع أكل العيش لطبقة جديدة من المتنبئين بما قد يحدث. عادة هن من النسوة الأنيقات المتعلمات المطلعات.. بعضهن درس بعمق حركة الأفلاك والنجوم وعلاقات الكواكب، وارتباطها بتواريخ الميلاد، واختزالها في أبراج الأسد والقوس والعقرب والسرطان والميزان والحمل والدلو والعذراء والجوزاء.. وغيرها. 

سيستجيب.. الله سيستجيب!

يوفر هؤلاء مادة خصبة للمشاهدين وللمحطات الفضائية، فيها التسلية، وفيها التمنيات، وفيها، في الخلفية النفسية والذهنية عدم تصديق.. لكن لعل وعسى وربما.. هي مفردات السير قدما نحو تفسير ما قد يجري لاحقا مرتبطا بنبوءة أو توقع طرحه خبير أبراج أو قارئة فنجان.. ولو تصادف أن تلاقت النبوءة مع الواقع ازداد إيمان المستفيد بالغيب الفلكي، وصار من المدمنين الذين لا يتحركون خطوة واحدة دون قراءة النجوم والكف. ومراجعة الشيخ الولي. 

وأعرف شخصيات كبيرة المقام والمال دأبت على تسخير ارادتها وقراراتها وجعلتها رهن رأي أو إشارة مولانا الشيخ.. أو نظرة فيها ايماءة من العرافة أو العراف. شخوص يرتبط نزولهم السيرك الانتخابي بموافقة أو عدم موافقة الشيخ.. أو المتنبئ.

ليس جديدا أبدا ولا هو غير إنساني أن يتطلع الانسان إلى معرفة ما خفي عنه ودق ورق. كلنا نحب أن نعرف العوالم الروحية والسفلية وما خلف الأستار. إنه الفضول، وإنه الرغبة العارمة في الكشف عن المخبوء وعن المجهول. كثيرون يطمعون في معرفة مدى استمرارهم في السلطة..

وبعض الوسطاء الروحيين يرتلون في أصوات متهدجة متواصلة فيها لحن غنائي لمن يسالونهم في جلسات التواصل الصوفي، خطط عملهم كاملة وما سيحققونه من نجاح.. عند المقامات المباركة تجد هؤلاء.. كما تجدهم في جلسات الذكر.. وفي الموالد الكبرى.

لابد أن إصرار الراغبين في المعرفة بأمور الغيب له ما يبرره.. صدقت توقعات متنبئيهم.. تحققت رؤاهم.. ارتبط قرارهم بألسنتهم الملهمة.  سنظل نبحث عما وراء الحجب حتى يوم زوال الحجب وكشف الأستار وتصير أعيننا حديدا. الغشاوة تنقشع فنبصر ما اشتقنا لرؤيته.. أو ما خفنا من طلعته..

تغير المشهد.. ولكن!

بعضنا، وأنا منهم، لا احب معرفة أي شئ حتى يقع. أؤمن بعدم عبور النهر حتى أصل إليه. لا أفتش ولا أنقب.. وأكره وارتعب من عمل التحاليل والأشعات وتاركها لله. يتعجب كل من حولى من أصدقائي كبار الأطباء.. كيف أبقي هكذا.. أعمل تحاليل تطمئن. أحب أن اتركها على الله. علبة مغلقة بخاتم السماء.

ضغط على ذات مرة وكنت أزوره بمكتبه الصديق العزيز الدكتور أحمد شهاب الدين رئيس جامعة المنصورة، ورئيس مركز الكلي العالمي والتلميذ النجيب للدكتور محمد أحمد غنيم، وأخذ عينة دم منى بالعافية و.. وكان الوقت بين طلوع النتيجة وطلوع روحي قرونا... كنت أتابع ملامحه وهو يقرأ التحليل.. ومن داخلي أهتز.

طمأنني مبتسما.. فاحتضنته.. وقلت له عذبتني. ضحك وقال: يا خواف.
نعم خواف.. أعيش اليوم بيوم ولا أنقب عما يزعجني.. لذلك أشفق عمن يسأل العراف: متى أموت. متى أمرض. متى أكسب ومتى أخسر.
لا يعلمها الإ الله.. فيأ أخي خليها علي الله..
الجريدة الرسمية