رئيس التحرير
عصام كامل

فلسطين فى يوم حقوق الإنسان

فى العاشر من ديسمبر عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الأمم المتحدة ليكون بمثابة وثيقة ومرجعية دولية أساسية لحماية الحقوق والحريات العامة والفردية داخل البلدان الأعضاء، و انبثقت عنها وثيقتان أخريان هما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


بخلاف ذلك؛ شهدت الأمم المتحدة صدور إتفاقيات حمائية لحقوق أساسية أخرى وإن بدت متفرعة عن إعلانها الأول، ومواثيق تقر إعترافات دولية بحريات، واحدة تتحدث عن المرأة وأخرى عن الطفل وثالثة عن الشعوب والأقليات ورابعة عن مكافحة الفساد وغيرها عن محاربة غسيل الأموال، وتجريم الاعتداء على الشعوب واحتلال الأرض والتصفية العنصرية، ونصوص شتى تحولت تباعا إلى حبر على ورق لأسباب تتعلق بفرض سياسة القوة أو إزدواجية التطبيق أو تجاهل بلدان تنفيذ إلتزاماتها وتوفير حماية قطبية لأنظمتها.

اليوم؛ يحتفل العالم بالذكرى الثانية والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أي احتفال هذا ولا تزال فلسطين محتلة منذ سنة صدوره، ويتجاهل العالم جرائم الاستعمار الصهيوني بحق شعبها، واستمرار عمليات القتل والاعتقال والتوسع فى تطبيق سياسات الفصل العنصري، بل تبادر بلدان عربية مؤخرا ببناء وإقامة علاقات طبيعية معه وتتباهى بها أنظمتها نكاية فى شعوبها المقهورة الرافضة لهذا الكيان.

مطبعون حمقى

بهذه العقيدة المختلة وجدنا بلدان أخرى بمنطقتنا العربية تقترب من مصير مشابه بفعل الاحتلال الأجنبي تحت مسميات شتى، فما حال العراق بعد 15 سنة من الحضور الأنجلوأمريكي هناك ولو خف مؤخرا، تاركا بلدا مفقرا وشعبا مشتتا بين طائفية وعرقية ومذهبية، داخل حدود مستباحة لدول الجوار أو قوى التعصب والإرهاب.

وأي كيان سوري هذا الذي تقاس على هيئته وواقعه ثورة منذ عشر سنوات أو تقدمها أو موقف نظام عالمي منها، وقد حضرت إليه كل القوى مدججة بالأسلحة لتجربتها هناك، وصارت علامات التفتيت واضحة على واحدة من أقوى الدول العربية لتلحق بشقيقتها العراق.

هكذا اليمن السعيد تحول بفعل التدخلات الخارجية والحرب إلى بلد لا يصلح للحياة ويخشى أبناء جيرانه العرب السفر إليه لما ينقل عنه يوميا، أو هى ليبيا الجماهيرية التى لم تعد سوى مطمعا لكل حالم باستعادة مجد أجداده الاستعماري، وأصبحت مرتعا لعصابات تحركها أجهزة استخبارات هنا وهناك، ولم يكن السودان بعيدا عن مصير مشابه يوما ما، أو الصومال الباحث شعبه عن استقرار.

وضعت البلدان الكبرى العهد الدولي وصاغت الإعلانات والمواثيق وكتبت الإتفاقيات، وتحكمت بعدها أنظمتها فى مقدرات شعوب ورسمت مستقبل بلدان وأفقدت بعضها استقلاليته، ولم تطبق ما تلزم به غيرها على كيان إستعماري زرعته بأرض شعب حر تتجاهل وتتناسى تطبيق قراراتها بشأن استعادة حقوقه وحماية حياة مواطنيه وإقامة وبناء دولته على أراضيه كاملة دون انتقاص.

شهدت بلدان تهريب أموال غير شرعية أو مشكوك فى مصادرها إليها لتدخل اقتصادها وتنعشه، على حساب شعوب منهوبة ثرواتها، وبالأمس كان احتفالها باليوم العالمي لمكافحة الفساد مع صدور بيانات اعتيادية باهتة حول مناسبة التصديق على الاتفاقية الدولية فى هذا الخصوص، لكن شيئا لا يتغير من سياساتها الخادمة لمصالحها.

إحياء صحافة حقوق الإنسان

ازدواجية دولية باتت تحكم مواقف بلدان كبرى منذ عقود فى ظل المواثيق الصورية، تجاه الإنسان نفسه وحياته تارة، وتجاه حقوقه المتعددة تارة أخرى، مع تركيز مشبوه على تصنيفه جندريا وعرقيا ودينيا ومذهبيا والادعاء بحماية تلك الفئات وسط نتائج غير مستغربة تنتهى إليها مجتمعاتهم، بينما نفس الرؤية الرأسمالية لهذه القوى العظمى التى تحكم عالم الأمم ومنظماته تتجاهل الفجوة الكبرى بين أغنيائه وفقرائه، أو بين الخمس الذي يملك 80 % من الثروة ويحكم أربعة أخماس سكان الأرض بحسب قراءة صاحب "فخ العولمة" قبل نحو عقدين.

لو أن فقيها في القانون الدولي أعاد قراءة نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تلاه، أمام بائس أو مقهور على وجه الأرض، لرحب بكلماته، ولو اتسعت حدقة العين لهذا الفقيه لترى كم المظالم التى يحياها هذا البائس فى بلدان الاستعمار والإفقار والاستبداد المسكوت عنه، لمزق كل المواثيق والعهود.

إن إعلانا جديدا للأمم المتحدة يعترف بخيبة دولية فى الوصول بالعالم إلى بر الأمان وتطبيق مواثيقها وإتفاقياتها وقراراتها لحماية المظلومين كافة دون تمييز، يمكن معه إستعادة الثقة بالكيان الجامع للشعوب والدول، على المستوى الفردى والجماعي وليس النظامي، وتظل فلسطين الاختبار الأول لمصداقية العهود والمواثيق الدولية وقدرة تلك الكيانات على الفعل، وإلا يظل الفشل الدولي فى حماية الأمن وإيقاف نزيف الدم مستمرا، وقد بات هدفا صوريا بعد الحرب العالمية الثانية بوجهة نظري حتى الآن.
الجريدة الرسمية