رئيس التحرير
عصام كامل

شيء من المرار.. شوارعنا الحلوة

الحلاوة صفة تطلق على السيدة الجميلة، رغم أن التذوق لا يكون بنظرة العين، لكننا نحب جمالها ونرى له مذاقا حلوا في نفوسنا. بالنسبة لشوارعنا ؛ فإنها تتمتع بالجمال والهدوء والسكينة. شوارعنا ليست بقبح بعض النساء. لا يوجد صوت عال، ولا جعورة بلطجى، ولا زئير سماعات صندوقية على خاصرتى توكتوك، او موتوسيكل.


يمكنك أن تمشى تحت أشجار الزيزفون. لا أعرف أشجار الزيزفون، لكن ذاكرتي لا تزال محتفظة بعنوان المنفلوطى تحت أشجار الزيزفون. عموما ادخل يا أخى على الخواجة جوجل وستحصل على العائلة الزيزفونية كاملة. ما علينا.. خلينا في وصف شوارعنا.. من شدة الهدوء الكاسح، لم يكن هناك أي داع لغلق أبواب المحال مبكرا.. هذه المحال، السمكرة والدوكو، وكافيهات الصراخ، بمثابة السيمفونية الخامسة ويمكن التاسعة..

نزلة المنيب وطلعته وزحف السلاحف في المعادي !

تخيل أن تمشي في شارع مثل شارع البطل أحمد عبد العزيز بدون كلاكسات، بدون شتائم، بدون خناقات، بدون كسر سيارة على سيارة.. شيء ممل وسقيم أن تعيش في مثل هذا الهدوء القاتل. آذاننا تعودت علي هذه الموسيقى، تنساب، كالخرير، ناعمة كالحرير، ثم كريشندو.. فتعلو وتعلو وتصخب .. فتهتز الخصور، ويتحول الشارع بالمشاة، رجالا ونساء، وسيارات إلى مرقص. كله يرقص. كله يتمايل.

ما أجمل هذه النشوة. ما أروع هذا اللحن العذب. عود البطل يتثنى.. شارع الضباب الذي غنى عبد الحليم حافظ له وفيه وتحت أعمدة النور المشبرة، يرفع ذراعا ويخفض الآخر، كأنه يعزف، ويجر قدميه يأسا واجترارا للأحلام والذكريات.. هو أشهر شوارعنا في الذاكرة العاطفية.. وشارع الحب، وشارع الامل..

لدينا شوارع مغسولة بدموع العشاق، ويوجد تراب كثير، وهذا خير وفير، لأن الدموع تنزل من العيون الحزينة إثر وداع وفراق، فتختلط بالتراب، فتمنح شوارعنا طبقة طينية لامعة مصقولة.. أحسن على الأقل من الغبار والعفار يثيره توكتوك حانق مسرع، أو سيارة نقل ثقيلة تتصرف تصرفات الديناصورات في الغابة.

في شوارعنا تمضي التكاتك فى روية وشجن، كما تمضي القوارب في مياه فينيسيا.. وإذا كان على العشاق، فهم كثر، وإذا كان علي الكمان.. فالطبلة تسد الفراغ.. وتهز الوسط .

مجتمع المجانين الحالي !

في شوارعنا تمضي بسيارتك سيلانسيه، لا يمكن أبدا أبدا أن تفاجئك حفرة، أو نقرة أو يبرز. لعجلات سيارتك غطاء بلاعة! لو حدث، لا قدر الله، لا تجزع ؛ فإن شوارعنا تتمتع بخاصية الرصف الذاتي، فالحفرة تلتئم، والنقرة تستوى، أما غطاء البلاعة فهو جفن عين سينسحب أوتوماتيكيا. وينغلق. أرقام سياراتنا هى هويتنا.. وهى دليلنا لمعرفة المذنب أو المجرم أو المتهم، لو داس أو هرس مواطنا..

الحقيقة أننا نضع هذه اللوحات للزينة، ونضفي عليها غالبا البصمة الخاصة بنا فيمكن حذف حرف بتبييض الخط الأسود.. ويمكن حذف رقم، .. ولن يعاقب أحد فالمسامح كريم.. وهذه أرض الملائكة. شوارعنا جنة على الأرض.. من قال إن شوارعنا سيرك وفوضى وجنون وابتزاز ووساخات.. مفترى وكاذب.. وسيدخل النار. ربك بالمرصاد ! جرب وانزل واستمتع..
ماذا عن مزيكا الكلاكسات؟
تلك مأساة أخرى..
الجريدة الرسمية