رئيس التحرير
عصام كامل

جرائم أبناء الأكابر.. الرسول تعهد بقطع يد ابنته لو سرقت.. وابن الخطاب اقتص من ابن الأكرمين . متى استعبدتم الناس؟!

جرائم أبناء الأكابر
جرائم أبناء الأكابر
سلوكياتهم بعضهم مرفوضة عُرفًا وأخلاقًا وقانونًا وتتحدى الذوق العام أبناء الأكابر! ربما قادك حظك العثر إلى مصلحة حكومية لإنجاز بعض الأوراق، ولم تنجز المهمة التي أتيت من أجلها إلا بعدما ذُقتَ الأمرَّين، وربما لاحظتَ وأنت في ساعات الانتظار الطويلة والمريرة أن شخصًا ما تسلل بين الصفوف في هدوء وأنجز في دقائق ما لا تنجزه أنت في يومين؛ لأنه يملك حصانة أو نفوذًا أو مدعومًا ممن يتمتع بهما.


غياب العدالة

وربما يكون من بين أقاربك ومعارفك خريج جامعى نابه ولم يجد عملًا أو وظيفة، واضطر أن يعمل بائعًا متجولًا أو عاملًا باليومية، في الوقت الذي لم يجد فيه زميله ذو التقديرات الأدنى صعوبة في القفز ببراشوت الواسطة وسلاح التوريث على منصب رفيع ذى مرتب كبير ومكانة اجتماعية رفيعة.

وربما تجاور في مسكنك واحدًا من أصحاب الوظائف المرموقة، فتكتشف آسفًا أنه لا يتحمل ما تتحمله أنت من أعباء مالية شهرية تسددها للحكومة من فواتير الكهرباء والمياه ودع القوس مفتوحًا.

وربما صادفت أحدهم وهو يتنمر على موظف بسيط أو شرطى بالشارع متفاخرًا: "إنت مش عارف بتكلم مين"؟ مواقف كثيرة متعددة ومركبة ومؤلمة تعكس حالة المجتمع وتركيبته النفسية والاجتماعية، وتؤكد أن ما حلم به عموم المصريين من القضاء على جميع مظاهر التمييز والعنصرية والفئوية لم يكن أكثر من وهم ومحض خيال.

لا ينكر منصف أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يوجه باستمرار بتطبيق العدالة بجميع صورها بين الجميع، ولكن المجتمع نفسه لم يتطهر بعد من أمراض الماضى وأدرانه التي سكنت أوصاله وتوطنت جيناته؛ حتى صار استئصالها أحد المستحيلات الأربعة. واقعة "طفل المرور" بكل ما أثارته من وجع وألم واستفزاز تؤكد بقاء هذا الميراث وتفاقمه على نحو يستحيل معه القضاء عليه تمامًا.

"فيتو" ترصد في هذا الملف ظاهرة أولاد الأكابر وأبناء الذوات بما لها وما عليها..

مساواة النبي
 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسى الجبار الأعلى، بئس العبد عبد تجبر واختال ونسى الكبير المتعال، بئس العبد عبد غفل وسها ونسى المقابر والبلى بئس العبد عبد عتا وبغى ونسى المبدأ والمنتهى"، أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت عميس.

وقال الشاعر "لئن فخرت بآباء ذوي شرف.. قد صدقت ولكن بئس ما ولدوا".

نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكبر، وأسس للمساواة بين المسلمين رافضًا تفضيل جنس أو عرق أو نسب على آخر، وبدا ذلك واضحًا عندما سرقت امرأة مخزومية في عهده، ففزع قومها إلى أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ يستشفعونه، فلما كلمه أُسامَةُ في الأمر تلون وجْههُ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقالَ: "إنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها".

وروُي عن أبي ذر أنه قال: "قاولت رجلًا عند النبي فقلت له: "يا ابن السوداء!" فقال النبي "يا أبا ذر طف الصاع طف الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل"، فقال أبو ذر: "فاضطجعت وقلت للرجل قم فطأ على خدي" كما رُوي أن رجلين تفاخرا عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما للآخر: "أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟" فقال النبي "افتخر رجلان عند موسى عليه السلام فقال أحدهما أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: قل للذي افتخر بل التسعة من أهل النار وأنت عاشرهم" وقال رسول الله (ص) "ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحمًا في جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تذرف بآنافها القذر".

الفاروق

أما عمر بن الخطاب، الفاروق الذي أتعب من جاء بعده في العدل، فقد كانت له حكايات مع محاربة فساد أبناء المسئولين، وبدأ الفاروق بنفسه، فكان يمر متفقدًا الأسواق فرأى إبلًا سمانا تمتاز عن غيرها، فسأل عن صاحبها فقالوا له: "هي إبل عبدالله بن عمر".. فانتفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلًا: "عبدالله بن عمر.. بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين".

وأرسل الفاروق في طلبه، فجاء عبد الله ووقف بين يديه فسأله الفاروق "ما هذه الإبل يا عبدالله؟؟"، فقال عبد الله "إنها إبل اشتريتها بمالى وبعثتها إلى المرعى أتاجر فيها وابتغى ما يبتغى المسلمون" وهنا سخر الفاروق من ابنه قائلًا: "ويقول الناس حين يرونها ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين.. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين.. وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك". وهنا صاح وأمر عبد الله "خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل واجعل الربح في بيت مال المسلمين".

وتظل قصة ابن الأكرمين هي الأكثر شهرة عن مآثر عدل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، عندما أتَى رجلٌ مِن أهل مصر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال: "يا أمير المؤمنين، عائذٌ بك من الظُّلم"، فقال الفاروق: "عذت معاذًا"، فحكى الرجل قائلًا: "سابقتُ ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسَّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين!" فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، والي مصر آنذاك، يأمره بالقدوم بابنه معه، فقدِم فقال عمر: "أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، أي يضرب ابن عمرو بن العاص، فجعل يضربه بالسوط، ويقول عُمر: "اضربْ ابن الأكرمين"، ثم قال للمصري: "ضعه على صلعة عمرو"، قال الرجل: "يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني وقد أشتفيت منه"، فقال الفاروق لعمرو: "مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا!".

كان هناك قاضٍ في عهد الفاروق عمر بن الخطاب، يدعى القاضي شريح، وليّ قضاء الكوفة في عهد عمر وعثمان وعلي ومعاوية، وكانت له قصة شهيرة في العدل في قضية ضد ابنه، الذي أراد استغلال منصب والده القاضي وروي أن ابن شُريح قال له: "يا أبتِ، بيني وبين قومٍ خصومة، فانظر، فإن كان الحق لي خاصمتهم، وإن لم يكن الحق لي لم أخاصمهم، وقصَّ قصَّته عليه" فقال له: "انطلق فخاصِمْهم"، فانطَلَق إليهم فخاصمهم، فقضى على ابنه، فقال له: "يا أبتِ فضحتني". فقال له شُريح: "يا بني، والله لأنت أحبُّ إليَّ من ملء الأرض مثلهم.. ولكنَّ الله أعزُّ عليَّ منك، خشيت أن أُخبرك أنَّ القضاء عليك فتُصالحهم، فتذهب ببعض حقِّهم".

وتنازع أمير المؤمنين الخليفة على بن أبي طالب، رضي الله عنه، مع رجلٍ غير مسلم على درع، فاحتكما إلى القاضي شريح، ولما جلسا عند شريح، قال علِيٌّ رضي الله عنه: "يا شريح هذا الدرع درعي، لم أبع، ولم أهب".. فقال شريح للرجل: "ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟" فقال الرجل: "ما الدرع إلا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب".. فالتفت شريح إلى الخليفة علِيٌّ رضي الله عنه وقال: "يا أمير المؤمنين، هل من بينة؟".

فرد الخليفة: "ما لي بينة"، فحكم شريح القاضي بالدرع للنصراني، وهنا قال الرجل متعجِّبًا: "أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه!". فأسلم وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أّنَّ محمدًا عبده ورسوله، الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين".

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية