رئيس التحرير
عصام كامل

المدرسة في زمن الكورونا.. "التضامن" تمد يد العون لمليون تلميذ بعد مضاعفة المصروفات.. و"التعليم" تتجاهل "حق الطلاب" الغائب

أرشيفية
أرشيفية
أيامًا قليلة.. وينطلق موسم دراسي جديد ولكنه مختلف في كل شيء. المدرسة في زمن الكورونا ليست كما كانت قبل الفيروس القاتل، لا يستويان مثلًا. الأمر لا يتوقف على تأخر بدء العام الجديد نحوًا من شهر أو يزيد، ولكن في الأنظمة الحديثة التي تسعى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني إلى تطبيقها، والتي وإن راقت للبعض، فإنها لم ترق للجانب الأكبر من الطلاب والتلاميذ وأولياء الأمور.


التعليم عن بعد

قد يكون استباق الحكم على نظام لم يتم تطبيقه فعليًا على أرض الواقع تسرعًا واندفاعًا. الرافضون يرون أننا نسعى إلى تطبيق أنظمة لا نملك مقوماتها من الأساس، ويجزمون بأن التعليم عن بُعد في مصر لن يصادف نجاحًا مذكورًا. الحكمة تستوجب الانتظار قليلًا؛ فربما يصدق الوزير هذه المرة. "فيتو" تناقش هذه القضية من جميع جوانبها، ليس من الجانب التنظيري فقط، ولكن ميدانيًا أيضًا..

نصت المادة 19 من الدستور -بنص صريح ومباشر- على مجانية التعليم وأهدافه وجاءت كالتالي: التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز.

وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها.

الحق الغائب

ورغم النص الدستوري الواضح والصريح يبدو أن أجندة اهتمامات وزارة التربية والتعليم يغيب عنها هذه الأولوية في توفير تعليم مجانى لكل مواطن يهدف لبناء الشخصية المصرية، فقد تضاعفت المصروفات الدراسية، وظهرت منصات تعلم عن بُعد مدفوعة الأجر رغم تخصيص الدولة أكبر ميزانية في تاريخ وزارة التربية والتعليم وصلت إلى 109 مليارات جنيه للعام المالي الحالي.

التضامن

ودخلت الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، على خط الأزمة وأعلنت أن وزارتها سوف تتحمل مصروفات ١.١ مليون تلميذ بتكلفة ٣٨٠ مليون جنيه، في محاولة للتخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية على الأسر الأكثر احتياجا بعد مضاعفة قيمة المصروفات الدراسية، رغم أنه دور أساسي لوزارة التربية والتعليم.

ويشهد العام الدراسي الجديد ٢٠٢٠/ ٢٠٢١، ضغوطًا مادية متصاعدة على الأسر المصرية بسبب مضاعفة الرسوم الدراسية المقررة على الطلاب في مختلف الصفوف الدراسية من الناحية التي أصبحت تعتمد على المنصات إلكترونية تحتاج إلى باقات إنترنت عالية السرعة ومكلفة، خاصة مع وجود أكثر من ابن داخل الأسرة الواحدة في مراحل التعليم المختلفة، علاوة على نوفير أجهزة كمبيوتر أو لاب توب لكل طالب، الأمر الذي يهدد مبدأ مجانية التعليم الذي أقره الدستور، بما قد يخلق أزمة زيادة عدد الطلاب المتسربين من مراحل التعليم المختلفة.

وزارة التربية والتعليم بررت قراراتها برفع المصروفات، بخطط التطوير التي تنفذها وتعتمد على التعليم المدمج كنظام أساسي للتعلم يجمع بين منصات تعليمية إلكترونية وقنوات تليفزيونية جنبا إلى جنب مع التعليم المباشر في المدرسة، رغم انخفاض عدد الأيام التي يتوجه فيها الطلاب إلى مدارسهم بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد - 19"، الأمر الذي أدى لارتفاع تكاليف العملية التعليمية في المدارس المصرية.

خاصة أن التطورات التكنولوجية في العمليات التعليمية التي رافقها قفزات في أعداد الطلاب المنضمين للمراحل التعليمية حتى وصل عدد الطلاب والطالبات في مصر إلى 23 مليون طالب وطالبة يدرسون في مراحل التعليم ما قبل الجامعي داخل 60 ألف مدرسة بكافة أنحاء الجمهورية.

الميزانية 

وزارة التربية والتعليم برئاسة الوزير طارق شوقي حصلت على أكبر ميزانية في تاريخ التعليم ما قبل الجامعي هذا العام بـ 109 مليار جنيه لم تراعِ تلك الأعباء المالية المتصاعدة على الأسرة المصرية، ورفعت المصروفات الدراسية إلى ما يزيد عن الضعف في مختلف مراحل التعليم للعام الدراسي 2020/ 2021، حيث وصلت قيمة المصروفات المدرسية في الصفوف من رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الابتدائي إلى 300 جنيه.

ومن الصف الرابع الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي 200 جنيه، وبالصفوف الثانوية من الأول إلى ثالث 500 جنيه وبالصفوف مدارس التعليم الفني 200 جنيه.

والمثير للدهشة أن الوزارة وجهت اهتمامها إلى افتتاح العديد من مدارس النيل التي تتخطى مصروفاتها 30 ألف جنيه بالعام، والمدارس الحكومية الدولية التي تدرس شهادة IG البريطانية بمصروفات تتخطى 16 ألف جنيه كل عام، واليابانية بمصروفات تصل إلى 12 آلاف جنيه.

مجموعات التقوية 

ورغم تقليص أيام الحضور في المدرسة وتخصيص الحصص للأنشطة وليس لشرح المناهج، فاجأت وزارة التعليم الجميع بقرار تنظيم مجموعات التقوية أيضا في نفس المدارس التي منعت شرح المناهج بها بدعوى منع التجمعات لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وارتفاع أسعار الحصة الواحدة لمجموعة التقوية التي وصلت إلى ٨٥ جنيها في الشهادات الإعدادية والثانوية.

تاريخ المجانية

يذكر أن مبدأ مجانية التعليم، يعد أحد أهم مكتسبات التي تحققت للمجتمع المصري مع في النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد في دستور 1923 أول دستور مصرى يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها في شئون التعليم، وذلك من خلال نص المادة 19 من القانون الذي نص على أن "التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجاني في المكاتب العامة".

وهو ما جعل التعليم في المدارس الإلزامية التي بدأت الدولة في إنشائها مجانيا، وظل باقي التعليم التجهيزي والجامعي بمصروفات، ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفي الحكومة.

ومع قيام ثورة يوليو عام 1952، شهد التعليم في مصر قفزة كبرى مع الإعلان أن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، حيث تضمنت المادة 50 بأن الدولة تشرف على التعليم العام في جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان.

في عام 1961، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إتاحة التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وجاءت تعديلات الدستور في مارس 1966 لتؤكد على مجانية التعليم، حيث ذكر في المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة في مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان".

ليأتي الدستور المصري الجديد لعام 2014 مؤكدا على مجانية التعليم والتركيز على أهدافه ببناء الشخصية المصرية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية