رئيس التحرير
عصام كامل

خنق مصر وعزل السعودية.. ملامح سياسة بايدن تجاه دول الشرق الأوسط

المرشح الديمقراطى
المرشح الديمقراطى لرئاسة أمريكا جو بايدن
يترقب العالم أجمع انطلاق انتخابات الرئاسة الأمريكية يوم الثلاثاء الموافق 3 نوفمبر 2020، لحسم اسم رجل البيت الأبيض، بعدما باتت المنافسة بين المرشح الجمهورى دونالد ترامب، الرئيس الحالى للبلاد، والديمقراطى جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما.


ولفهم الخلاف بين ترامب (الجمهوري) وبايدن (الديمقراطى) يجب معرفة الأيديولوجيات التى تتحكم فى الحزبين الفاعلين فى الولايات المتحدة.

الحزب الديمقراطى يميل إلى الليبرالية الحديثة، ويؤمن بتدخل الدولة، وتوفير الرعاية الصحية للجميع، وتوفير التعليم برسوم غير باهظة، وبالبرامج الاجتماعية، وسياسات حماية البيئة، ونقابات العمال.

وكانت آخر مرشحة للحزب هيلارى كلينتون، التى خسرت أمام المرشح الجمهورى، دونالد ترامب.

أما الحزب الجمهورى، الذى يعرف أيضا باسم (الحزب الكبير القديم، واختصارا جوب GOP) فيتبنى ما يعرف بالاتجاه المحافظ الأمريكى، الذى يحد من تدخل الحكومة، ويشجع تخفيض الضرائب والسوق الرأسمالى الحر، وحقوق امتلاك السلاح، وإلغاء النقابات العمالية، وفرض قيود على الهجرة والإجهاض.

وبعيدا عن التعقيدات الحزبية والحسابات السياسية فى طريقة فوز الرئيس الأمريكى، تبقى منطقة الشرق الأوسط فى قلب دائرة الاهتمام لساكن البيت الأبيض، لما تحمله من ثروات وثورات وتيارات راديكالية تصدر الإرهاب إلى العالم أجمع.

صحيح أن إدارة الجمهوريين فى عهد ترامب، رسمت خطوط عريضة فى التعامل مع ملفات المنطقة، بعدما انحازت صراحة دون مواربة لمصر والسعودية والإمارات والأردن، وشرعت فى مواجهة إيران وقلبت معادلة أوباما مع أمير قطر تميم بن حمد، وانتقلت خليجيا إلى أبوظبى.. لكن تبقى خطوط بايدن مجهولة تجاه المنطقة، لكن من خلال تصريحاته التى أدلى بها طول حملته الانتخابية أو من خلال نهج أوباما وبالتعمق فى فكر الحزب الديمقراطى، يمكن قراءة ما يلى.

الوجود العسكري
ورغم كل الاختلاف بين ترامب وبايدن، هناك أمر يجمعهما وهو الموقف من الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط. فكلا الرجلين يريدان وضع نهاية للتورط الأمريكى فى حروب الشرق الأوسط التى لا نهاية لها.

هناك شبه اجماع بين أوساط المراقبين أن بايدن لن يولى الشرق الأوسط الاهتمام الذى كانت تحظى به من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة بسبب تراجع أهمية النفط وموقف بايدن المؤيد للحد من التغيير المناخى والتوجه إلى مصادر طاقة نظيفة وبسبب التحديات الأخرى التى يرى بايدن أنها تمثل مصدر تهديد مباشر لمصالح ومكانة وموقع الولايات المتحدة على الصعيد العالمي

ووصف بايدن الأوضاع فى البلدان تنتشر فيها القوات الأمريكية، سوريا والعراق وافغانستان بأنها معقدة ولا يمكنه التعهد بسحب القوات الأمريكية منها بشكل كامل فى المستقبل القريب.

يرى بايدن أن مهمة القوات الأمريكية يجب أن تقتصر على مساعدة الشركاء المحليين فى مواجهة التنظيمات والجماعات التى يمكن أن تهدد مصالح الولايات المتحدة وشركائها ولا يجب أن تلعب أي دور سياسى فى هذه الدول. ففى سوريا على سبيل المثال يجب أن تقتصر مهمة هذه القوات على التصدى لبقايا تنظيم الدولة الإسلامية وتخفيف حدة العنف والوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.

ففى ذروة الحرب فى سوريا عام 2014 قال بايدن حينما كان نائبا لاوباما: "لا توجد معارضة معتدلة فى الحرب الأهلية السورية وشركاء أمريكا فى المنطقة فاقموا الأوضاع فى سوريا عبر إرسال الأموال والأسلحة إلى الجماعات المتطرفة على الأرض. إنهم عازمون على الاطاحة بالأسد مهما كان الثمن وخوض حرب سنية -شيعية بالوكالة هناك".


القضية الفلسطينية
قال بايدن فى شهر مايو الماضى إنه من يؤيد حل المسألة الفلسطينية على أساس إقامة دولتين عندما قال: بغرض تحقيق السلام الفلسطينى - الإسرائيلى من الضرورى إن تعود الولايات المتحدة إلى الحوار مع الجانب الفلسطينى والسعى لدى إسرائيل وحثها على عدم القيام بأى خطوات تقوض إمكانية إقامة الدولتين. سأعيد فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية ومكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن واستئناف المساعدات الأمنية والاقتصادية للفلسطينيين والتى أوقفتها إدارة ترامب".

يرى بايدن أن الخطوات التى اتخذها ترامب -صفقة القرن - تقوض مبدأ الحل على أساس إقامة دولتين وسيعيد النظر بكل الخطوات التى اتخذتها إدارة ترامب ما عدا مسألة نقل السفارة إلى القدس. وحسب صحيفة جيروزالم بوست سيقر بايدن بمطالب الجانب الفلسطينى فيما يتعلق بالقدس.

العقبات والعراقيل التى سيواجهها بايدن لتطبيق رؤيته فيما يتعلق بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى لن تأتي من الجانب الفلسطينى الذى قد يرى أن وجود بايدن فى البيت الأبيض فرصة لنيل بعض من حقوق الشعب الفلسيطينى قبل أن توقع دول عربية أخرى لتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل. العقبة الأساسية ستكون الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو الذى يتمتع بعلاقات وثيقة على كل الصعد مع ترامب والدائرة المحيطة به الأمر الذى مكنه من الحصول على كل ما يبتغيه من مطالب من البيت الأبيض فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية والملف الإيرانى وغيرها من القضايا، فى ظل وجود لوبى يهودى فاعل فى المعادلة السياسية داخل الولايات المتحدة ويمتلك القدرة على إسقاط من يريد بماكينة المال والاعلام.

النووى الإيراني
عمل رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو كل ما بوسعه لإفشال الاتفاق الذى تم التوصل إليه بين إيران والمجتمع الدولى بعد سنوات من المفاوضات الشاقة ووصل به الأمر أن ألقى خطابًا عاطفيا أمام مجلس الشيوخ الأمريكى تحدث فيه عن مخاطر الاتفاق على وجود إسرائيل حسب رأيه.

لم يكن نتنياهو هو الوحيد الذى عمل دون كلل لتقويض الاتفاق الذى تم التوصل إليه عام 2015 لكنه كان الأعلى صوتا فى الحلف المناهض للاتفاق والذى يضم صقور الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة إلى جانب السعودية والإمارات.

وكان الخروج من الاتفاق أحد أبرز تعهدات ترامب خلال حملته الانتخابية مما ضمن له الحصول على تأييد الأوساط السياسية المؤيدة لإسرئيل فى الولايات المتحدة مثل ايباك، وكان من أكبر المتبرعين لحملته قطب عالم القمار شيلدون ادلسون المقرب من نتنياهو وصاحب صحيفة "إسرائيل اليوم" اليومية التى تعتبر الناطقة باسم نتنياهو.

وقد أوفى ترامب بتعهده بل واعاد فرض العقوبات الأمريكية على إيران وتوسع فى هذه العقوبات لتشمل كل المجالات تقريبا.

موقف أوباما 

يصف بايدن الرئيس الأمريكى السابق باراك اوباما الذى عمل نائيا له مدة 8 سنوات كلما تطرق إليه الحديث بـ صديقى باراك، والاتفاق النووى الإيرانى يعتبر من أهم إنجازات اوباما على الصعيد الدولى. وصرح بايدن فى هذا الشأن أنه إذا التزمت إيران بتعهداتها المنصوص عليها فى الاتفاق فإن الولايات المتحدة ستعود للعمل بالاتفاق إلى جانب الأوروبيين والأطراف الدولية الأخرى.

لكن هل ستعود طهران إلى العمل بالاتفاقية دون مقابل، إذ ترى إيران أنها لم تحصل على ما كانت تطمح اليه من منافع اقتصادية بعد رفع العقوبات الدولية عنها. كما أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التى تجرى اواسط العام المقبل قد تشهد عودة التيار المتشدد للسيطرة على منصب الرئاسة بعد أن احكم سيطرته على البرلمان فى الانتخابات الماضية.


الملف الليبي

من المتوقع بقوة أن يميل بايدن حال فوزه إلى الكتل المسيطرة على العاصمة طرابلس سواء المعتدلة أو المتطرفة، فكلاهما بوجهة نظر الديمقراطيين أفضل من تمكين جنرال – خليفة حفتر- من السيطرة على الشرق بالقوة العسكرية، واستكمال خطة أوباما فى ليبيا واردة بقوة على طاولة نائبه السابق حال تمكن من الجلوس على المكتب البيضاوى، بطريقة تربك حسابات الجميع وتعيد خلط أوراق الترتيبات الأممية والدولية الرامية لخلق توافق بين الفرقاء ينهى سنوات النزاع.

الموقف المصرى والعربى

مبكرا كشف بايدن موقفه تجاه مصر من خلال تصريحات تعكس عداء مبكر تجاه النظام الحاكم، ومن المؤكد أنه فى حال تمكن من الفوز، سوف يستغل الملف الحقوقى كذريعة للتدخل فى الشأن الداخلى بهدف خنق مصر، ومن غير المستبعد عودته لعزف نغمة وقف المعونة كإجراء مبكر لإرباك المشهد بالقاهرة.

وحملت تسريبات رسائل هيلارى كلينتون، ملامح خطة فوضى واضحة وضعها الديمقراطيين من خلال تمكين جماعة الإخوان من الحكم بهدف ضمان إدارة دفة الدولة المصرية والتحكم فى طريقة صناعة قراراتها السيادية، على غرار ما تفعل واشنطن مع جمهوريات موز منزوعة التاريخ والجيوش.

هذا الموقف ينعكس أيضا على تعاملات الولايات المتحدة المتوقعة فى عهد بايدن، مع السعودية والإمارات، ولكل دولة منهما ملف جاهز لفتحه من بوابة حرب اليمن التى تحدث عنها بايدن باستفاضة وتعهد بتحول السعودية إلى دولة معزولة بسبب هذه الحرب، متجاهلا انقلاب ميلشيات الحوثى على الحكومة الشرعية وقصفها للأبرياء وفتح أبواب البلاد أمام الوجود الإيرانى.
الجريدة الرسمية