رئيس التحرير
عصام كامل

الممكلة العربية السعودية وثورات الربيع العربي


يبدو آل سعود مستقرين في خضم الاضطرابات التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط. بيد أن التوترات لا تزال تعتمل تحت السطح. فالشباب يستنهضون الهمم من أجل التغيير، وتلوح في الأفق موجة من عدم الاستقرار الاقتصادي، ولذا لابد أن تتأثَّر المملكة بالعواصف التي تغلي من حولها.


الشباب هم الذين يضعون أجندة الحركة الاحتجاجية بصورة متزايدة، حيث ينزلون إلى الشوارع بفاعلية وينظّمون أنشطتهم عبر وسائل الإعلام الاجتماعية. ويبدو هذا جليا خصوصًا في المنطقة الشرقية، حيث ورثت احتجاجات الشباب هناك زخم حركة الناشطين الأكبر سنا والمثقفين ورجال الدين الذين قادوها في تسعينات القرن المنصرم.

يرى جيل الشباب أن النظام استلحق نظراءهم الأكبر سنا، وهو يدعو إلى تغيير أكثر تدرجية، وإلى المشاركة في الحوار الوطني والعمل من خلال النظام. غير أن بعض الشباب يشككون في إنجازات هذه المقاربة.

يلعب النظام ورقة إيران بذكاء في المنطقة الشرقية، مدّعيًا أن المحتجين الشباب الشيعة مرتبطون بطهران وأن الاضطرابات تمثل علامة على التدخل الأجنبي. غير أن هذا ليس واقع الحال. فالشباب الثائرون لديهم من القواسم المشتركة مع الحشود في ميدان التحرير في مصر أو تونس أكثر مما لديهم مع الجماعات المدعومة من إيران. وهم تجاوزوا في نواح كثيرة الأيديولوجية الدينية ليركزوا على القضايا المعيشية.

كانت وتيرة التوترات الطائفية تتصاعد وتنحسر، تبعًا لسياسات النظام والأحداث الإقليمية. أما في الوقت الراهن فإن الصورة مختلطة. فقد حسن النظام جهوده للحد من الحملات الطائفية في وسائل الإعلام الرسمية، وتقلصت وتيرة التطرق إلى الطائفية في وسائل الإعلام وتصريحات رجال الدين. وسهلت وسائل الإعلام الاجتماعية زيادة الاتصال بين الإصلاحيين الشيعة والإصلاحيين السنة. لكن في الوقت نفسه، برزت الطائفية إلى الواجهة بسبب تصاعد الحرب الأهلية في سوريا، والأحداث في العراق، والأهمّ من ذلك، بسبب التمييز الهيكلي الذي هو في صلب الدولة السعودية.

وفي ظل نظام يثبت نفسه من خلال علاقة تكافلية مع السلفية السنية، يشعر الشيعة بأنهم مهمشون، ويشكون من أنهم مستبعدون من الوزارات الرئيسية وبعض المؤسسات الدينية للدولة. وهم يصوغون مطالبهم في إطار الكرامة؛ وينادون بأن تكون المملكة العربية السعودية لجميع الناس، لا أن تكون دولة تعرفها المصطلحات الدينية الضيقة وفقًا للمذهب السني. يدرك العديد من الشيعة بأن هناك بعض التيارات في العائلة المالكة ترغب في حل هذه المشكلة، لكن مساعيها ارتطمت بمعارضة المؤسسة السلفية.

لا يوجد تهديد بحدوث اضطرابات تؤدي إلى إسقاط النظام، لأن بطبيعة الحال الناس يتوقعون سقوط آل سعود منذ بعض الوقت، لكن النظام لا يزال يستخدم استراتيجيته المزدوجة في الاستلحاق والقمع بشكل فعّال.

والسؤال هو كم ستستمر هذه الإستراتيجية؟ إذ إن وقت شراء المعارضة من خلال المنح والإعانات ينفد. واليوم تستفيد العائلة المالكة من عدم وجود أي حركة بديلة، ومن المدى الجغرافي الهائل للبلاد، وتنوع مشاعر السخط. وهي تروج بصورة انتهازية للرواية التي تقول إنه في حين أن هناك تمتمة توحي بوجود معارضة، فإن البدائل المحتملة للنظام القائم أسوأ بكثير، فإما بقاء البلد إسلاميا محافظا وإما تصدع الدولة.

سوف يحدث تغير كبير في القيادة مع ظهور الجيل الثاني من الأمراء. لكن من غير المرجح أن يؤدي هذا إلى زعزعة الاستقرار إلى حد كبير. إذ يمكن أن يحصل القادة الأكثر براجماتية على مناصب تتسم بالنفوذ والتأثير، وربما يؤدي هذا إلى انفتاح أكبر للنظام، في ظل أن زيادة المنافسة بين التيارات داخل الأُسَر قد يدفعها إلى تشكيل تحالفات سياسية مع الإصلاحيين.

غالبًا ما تنظر المملكة العربية السعودية إلى الانتفاضات من منظور علاقتها مع الولايات المتحدة. فالنظام يراقب ردود فعل وسياسات واشنطن بعناية فائقة. وقد جادل البعض بأن السعوديين يطبقون ثورة مضادة، لكن هذا التوصيف ليس دقيقًا تمامًا.

صحيح أن الرياض تحاول في البحرين منع وصول الربيع العربي إلى شبه الجزيرة، لكنها تنظر إلى الاضطرابات في سوريا على أنها فرصة، مسترشدة بحسابات واقعية لميزان القوى.

وهناك أيضًا مخاوف حقيقية من جماعة الإخوان المسلمين في مصر. فالسعودية ومصر غريمان تاريخيان على الزعامة العربية، كما تمثّل الحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون في مصر نظامًا بديلًا يختلف جذريا عن النموذج السعودي. وقد كان يظن لفترة طويلة أن خطر الشيعة هو التهديد الكبير بالنسبة للسعوديين. لكن بات يعتقَد الآن أن التهديد الرئيسي هو خطر الإخوان المسلمين.
الجريدة الرسمية