رئيس التحرير
عصام كامل

خيبة إعلام بلدنا

لا أعتقد أن العقل أو المنطق من الممكن أن يستوعب فلسفة الدولة واصرارها على تحمل نزيف الخسائر الثقيلة، والفشل المستمر، لقطاع "الإعلام الحكومى" بل والاستمرار فى دعمه سنويا بمليارات الجنيهات، فى الوقت الذى تتبنى فيه برنامجا "قاسى" للإصلاح الاقتصادى، أرهق كاهل المواطن الفقير بتبعات اقتصادية "ثقيلة ومؤلمة" منذ عام 2016.


ولعل ما يدعو للعجب فى هذا الملف، أن مجلس الوزراء شمر منذ عدة أشهر عن ساعديه، وأصدر بيانا شديد اللهجة، أكد خلاله عزم الحكومة على التدخل لوقف نزيف الخسائر، وإصلاح الخراب الذى حل بـ "المؤسسات الإعلامية الحكومية" التى تحولت من ناقل لصوت الدولة فى الداخل والخارج، إلى كيانات لا تخاطب سوى نفسها.
الحريم عايزة ايه؟
إلا أنه فجأة ودون سابق إنذار، توقف كل شىء، وأعطت الحكومة ظهرها من جديد للملف "المسكوت عليه" منذ منتصف عهد مبارك، وكأنها لا تعلم عنه شيء، ومازال نزيف الخسائر مستمرا، ومازالت عشرات الإصدارات التى لا يقرأها سوى من يكتبون بها "تصدر" ومازالت عشرات القنوات التى لا يشاهدها حتى من يعملون بها "تبث" من داخل ماسبيرو، وسط إصرار حكومى غريب على إمداد تلك المؤسسات بمزيد من الدعم، لتحقيق مزيد من الخسائر.

الواقع يقول، كل الحكومات التى تعاقبت على مصر منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، قد تلاشت الاقتراب من ملف إصلاح "الإعلام الحكومى" رغم ارهاقه للخزينة العامة للدولة، نتيجة للفشل والخسائر الرهيب الذى تحققه كل "المؤسسات الصحفية القومية" ومعها كل قنوات "ماسبيرو" على الرغم من وجود يقين بموته المنظومة بأكملها منذ سنوات.

وتمكن القول: الانهيار الفعلى لقطاع الإعلام الحكومى، قد بدء مع ظهور المواقع الإلكترونية التى عجزت كل المؤسسات الصحفية القومية عن مواكبتها، وظهور القنوات الفضائية الخاصة، التى سحبت البساط من كل القنوات الحكومية، ثم اندلاع ثورة يناير 2011 والتى تراجع معها سوق الإعلان فى مصر بشكل كبير، وجميعها عوامل انعكست بشكل مباشر على توزيع الصحف والمجلات التى وصل الحال بأغلبها إلى الفشل فى تحقيق معدلات توزيع توازى حتى عدد العاملين بها.

و"الغريب" أن جميعها مازالت تصدر وبانتظام، و"الأغرب" أنها مازالت تضم سنويًا العشرات من الصحفيين والعاملين والفنيين والإداريين والعمال الجدد، فى إصرار على تحقيق مزيد من الخسائر، بعد أن عجزت كل الإدارات المتعاقبة على تلك المؤسسات، فى اتخاذ قرار شجاع بوقف إصدار أى من تلك المطبوعات التى أصبحت فى طى النسيان، أو انشاء موقعا إلكترونيا واحدا، ينافس الطفرة الرهيبة التى حققتها المؤسسات الصحفية الخاصة، رغم تفوقها الرهيب في الإمكانات المادية والبشرية والأوضاع الوظيفية المستقرة، ووجود مئات الكوادر الصحفية والفنية على درجة عالية من الاحترافية.
كوارث "كواحيل" بلدنا
وعلى ذات وتيرة الإهمال، تركت الحكومة "مبنى التليفزيون" في ماسبيرو، بما يحتويه من عشرات القنوات الفضائية والأرضية، على ذات وضعه المتردي منذ سنوات، يستزف مليارات الجنيهات شهريًا، على الرغم من علمها "يقينا" من فشل كل تلك القنوات فى تحقيق الغرض منها، بعد انصراف المشاهدين عنها لضعف محتواها، وعجزها عن مجاراة الطفرة الرهيبة التى حققتها القنوات الخاصة، سواء في نوعية المحتوى أو المستوى التقنى، فى مصر وكل الدول العربية.

للأسف، إن الواقع يقول إن "الإعلام الحكومى" في أزمة، على الرغم من احتوائه على آلاف الكوادر المهنية الموهوبة سواء فى الصحف أو قنوات ماسبيرو، إلا أنه من غير المنطقي أن تستمر الحكومة في دعمه بمثل هذا الشكل الذي يعد "إهدارا للمال العام".

المنطق يقول إن الأمر أصبح يحتم على "المجلس الأعلى للإعلام" و "وزير الدولة للإعلام" ضرورة التدخل وتبنى استراتيجية جادة، تنهض بمنظومة "الإعلام الحكومى" لوقف نزيف الخسائر، بعيد عن الحل العاجز الذى طرحة البعض، ببيع عدد من الأصول غير المستغلة تلك المؤسسات، لسداد مليارات الجنيهات المتراكمة عليها كديون للتأمينات الاجتماعية والضرائب.

كما أن العقل يقول، إنه لا عيب، فى الإقدام على اتخاذ قرارات حاسمة، يتم بمقتضاها دمج المؤسسات، وحجب الإصدارات والقنوات "الفاشلة" والاكتفاء بعدد محدود منها، دون المساس بحقوق العاملين، مع البدء فى انشاء مواقع إلكترونية قوية، وفق سياسات يضعها متخصصون، تضمن منافسة قوية مع الإعلام الخاص، وتشكل صوتا حقيقيا مسموعا للدولة، بعيدا عن سياسة "التكية" المعمول بها الآن.. وكفى.
الجريدة الرسمية