رئيس التحرير
عصام كامل

رغيف الغضب .. معاناة محدودى الدخل تتضاعف .. خبراء الاقتصاد يحاكمون قرار التخفيض.. والملاح : الحكومة مفلسة

أرشيفية
أرشيفية

مجددًا.. يعود رغيف العيش إلى الواجهة. قرار خاطف بتخفيض وزن الرغيف المدعم من 110 جرامات إلى 90 جرامًا أثار غضبًا وجدلًا ولغطًا في الشارع المصرى. القرار -برأى متابعين ومراقبين- يفتقد إلى الذكاء السياسي.

 

حكومة ضد الرئيس

 

الحكومة تبدو في كثير من قراراتها ومواقفها ضد توجيهات الرئيس بعدم القسوة على الفقراء والمعدومين. القرارات تخرج كرصاصات طائشة غير محسوبة، وبدلًا من التراجع عنها وتصويب مساراتها، يتم البحث عن تفسيرات وتوضيحات خادعة وكاذبة.

 

من جانبها.. سعت وزارة التموين إلى خداع الرأى العام ببعض الأرقام والإحصائيات، حيث قالت إنها تنتج ما يتراوح بين 250 مليون إلى 270 مليون رغيف يوميا من خلال أكثر من 30 ألف مخبز على مستوى الجمهورية، مع المحافظة على مجموعة من الثوابت في منظومة الخبز ومن أهمها: بقاء سعر رغيف الخبز للمواطن وهى: 5 قروش على بطاقة التموين، وعدم المساس بسعره، وهو الأقل سعرًا على المستوى العالمى، كما أنه من ضمن المخبوزات الأفضل من حيث القيمة الغذائية، مع استمرار تحمل الدولة ممثلة في وزارة التموين لفرق التكلفة الإنتاجية لرغيف الخبز الواحد والتي تصل لأكثر من 50 قرشا، وكذلك المحافظة على نفس الكميات المتوفرة للمواطن يوميًا.

 

ما دلالات العبث بوزن رغيف العيش، وهل أعلنت الحكومة الحرب على الفقراء والغلابة وأخرجتهم من حساباتها، ولماذا تعاند توجيهات رئيس الجمهورية. وتساؤلات أخرى كثيرة نسعى بهدوء إلى الإجابة عنها خلال هذا الملف..

 

رد فعل الشارع

 

جاءت ردود الأفعال في الشارع غاضبة من القرار ووصف مواطنون القرار بأنه يزيد من معاناة محدودي الدخل على الرغم من تصريحات الحكومة بأنه لا يمكن المساس بأي شكل من الأشكال برغيف الخبز.

 

في التقرير التالي نستعرض آراء خبراء اقتصاديين في هذا القرار والفائدة منه بعد تطبيقه سواء على المواطن أو خزينة الدولة.

 

إفلاس الحكومة

 

من جانبها، قالت الدكتورة هدى الملاح، مدير المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى: إن قرار الحكومة بتخفيض وزن رغيف الخبز قد يدر على الحكومة عائدا ماديًّا، وهذا من وجهة النظر الاقتصادية، لكن ما تفعله من سياسات تقشفية يدل على افتقارها للحلول ويجعلها مفلسة سياسيا.

 

وأضافت أن أي ضرر يقع على المواطن البسيط لن يكون في مصلحة الدولة، موضحة أن الدولة تستثمر في مشروعات قومية وتفتح آفاقا جديدة من أجل المواطن، فكيف لها أن تلعب في قوت يومه ؟!

 

وعن تقليل حجم الرغيف من أجل ترشيد الدقيق؛ مما يسمح بخلق فائض من القمح يمكن تصديره للخارج، أجابت "الملاح": كيف يمكن أن نتحدث عن ترشيد وستكون هناك زيادة في الاستهلاك بسبب أن المواطن سيستهلك أكثر مما كان يستهلكه من الخبز بعد هذا القرار، فهذا القرار لن يخلق فرصة لتصدير القمح، وخصوصًا أننا نقوم باستيراده من الخارج.

 

وأشارت الدكتورة هدى الملاح إلى أنه بهذا القرار تم رفع سعر رغيف الخبز بشكل غير مباشر، لأن المواطن بدلا من أن يشتري على سبيل المثال 5 أرغفة في اليوم بعد هذا القرار سيشتري أكثر ليلبي احتياجاته.

 

وتابعت: "المواطن الذي يقف في طابور العيش لا يستطيع شراء رغيف الخبز بخمسين قرشا، وإنما مقدرته المادية شراء الخبر المدعم فقط فكيف للحكومة أن تأتي وتعبث في ثمنه وتأخذ من جيب المواطن البسيط".

 

وأضافت إنه من السهل على الحكومة رفع الأسعار وعدم النظر إلى المواطن البسيط من أجل الإصلاح الاقتصادي على الرغم من أن هناك الكثير من الحلول الأخرى التي تستخدمها من أجل هذا الإصلاح غير جيب المواطن.

 

التضخم 

 

وأكدت أن كل سياسات الحكومة في قرارات ارتفاع الأسعار تدل على عجزها السياسي وأنه ليس لديها القدرة على إيجاد حلول لسد عجز الموازنة غير المواطن البسيط.

 

أما بالنسبة لحدوث زيادة في التضحم بسبب هذا القرار فأوضحت "الملاح" أن التضخم قائم منذ قرار تعويم الجنيه عام 2016، وسيظل التضخم قائمًا، وسيزيد طالما أن المعروض أقل والطلب أكثر فلابد من زيادة الإنتاج والتعدد في السلع حتى تنخفض الأسعار، مشيرة إلى أنه لابد من زيادة الصناعات لإنعاش الجنيه مرة أخرى حتى يستطيع مواجهة الدولار ونتيجة ذلك استقرار السوق.

 

السوق السوداء

 

الدكتور عادل عامر، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أكد أنه لا يمكن تصدير القمح بعد هذا القرار، ولكي نستورد القمح يجب أن يكون هناك نحو ٥ ملايين طن قمح مزروع.. وهذه هي الخطة التي قامت بها الدولة لاستصلاح ٥ ملايين فدان من ضمن المشروعات الإستراتيجية، على أساس أن توفر هذه الأراضي الكمية التي تستهلكها مصر من الاستيراد.

 

ورأى الدكتور عادل عامر أن قرار الحكومة بتخفيض وزن رغيف الخبز بهدف لتحديد الفائض من الدقيق على أساس أن هناك كميات كثيرة يتم تصريفها في السوق السوداء، بالرغم من ميكنة منظومة الخبز، مؤكدًا أن هذا القرار هو لتقليل الفائض من الدقيق وتقليل حجم الرغيف، لأنه بعد ذلك لا يكون لدى أصحاب الأفران فرصة للتهريب أو بيع الفائض في السوق السوداء.

 

زيادة الاستهلاك 

 

وفي نفس السياق، أشار إلى أن هذا القرار سيؤدي بالتأكيد إلى زيادة الاستهلاك من قبل المواطن، وبالتالي زيادة العبء عليه، فمحدودو الدخل هم من يدفعون فاتورة هذا الإصلاح وفاتورة هذا القرار لذلك يجب أن يتم تعويضهم بزيادة قيمة الدعم على البطاقة التموينية.

 

وأضاف أستاذ الاقتصاد أن دور الدولة هو تحقيق الرعاية الاجتماعية لمحدودي الدخل، ويجب عليها ألا تقلل من خدماتها تجاه هذا الفرد، لأنه هو الأولى بالرعاية عن أي فئة أخرى، فبالطبع أي سلع تموينية مدعمة من المفترض ألا ترفع سعرها، وخاصة رغيف الخبز فهو سلعة أمن قومي، وتحمي الاستقرار الاجتماعي للدولة.

 

توقيت خاطئ

 

وعن توقيت هذا القرار، أكد الدكتور عادل عامر أن هذه القرارات وخاصة التي تمس محدودي الدخل جاءت في وقت خاطئ للغاية لأن هذه الفئة تأثرت تأثيرا مباشرا من أزمة كورونا، وبالتالي هذا القرار في هذا الوقت سيزيد الغضب الشعبي الداخلي، وبالتالي ستكون النتيجة هي الانفجار.

 

ففي أزمة كورونا الدولة ساعدت أصحاب المهن الثابتة والدخل الثابت أما أصحاب المهن الحرة فلم ترفع الدولة عنهم العناء الذي أصابهم نتيجة أزمة كورونا في الـ ٥ أشهر الماضية، وحتى المعونة التي يأخذونها من وزارة القوى العاملة لا تكفي أسبوعا من المعيشة.. فبالتالي هذا المواطن هو من تحمل أعباء كل هذا، لذلك كان لابد من تأجيل القرار لحين انتهاء جائجة كورونا ويعود المجتمع بالكامل لأعماله ونشاطه.

 

وأشار إلى أنه مع زيادة الاستهلاك في الخبز بعد هذا القرار ومع ثبات الأجور سنجد ارتفاعا كبيرا في معدل التضخم، ولكي تحل هذه الأزمة وتقليل المعدل لابد من زيادة الإنتاج ولا يوجد حل آخر.

 

وفي سياق آخر أوضح عامر أنه على الحكومة أن تتروى في عمليات الإصلاح الاقتصادي، وبدلا من أن تكون مدتها سنة أو سنتين تكون على مدار أربع أو خمس سنوات، وأن تتحمل الحكومة فاتورة هذا الإصلاح عن المواطن، حتى يتم زيادة الإنتاج الذي بدوره سيحد من معدل التضخم الكبير الذي حدث منذ ٢٠١٦ حتى الآن، فاستعجال الحكومة للإصلاح الاقتصادي قد يؤدي إلى مشكلات للمواطن، لأنه في النهاية يبحث عن الأمان الاقتصادي فهذا أهم من الأمن الحربي لأن الجوع أقوي من أي سلاح آخر.

 

الأجور 

 

وأكد أن دخل المواطن لا يزال متدنيًا، بل أصبح لا يكفي الحد الأدنى، فدخل المواطن كحد أدنى يجب ألا يقل عن ٣٢٠٠ جنيه، وهو المعيار الدولي للحد الأدنى طبقا لقيمة الجنيه فنحن نقل ألف جنيه عن المعيار العالمي.

 

فيما كان للدكتور خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، رأي آخر، فأكد أن الهدف من تخفيض وزن رغيف الخبز إلى ٩٠ جراما هو من أجل جودة الرغيف بالنسبة للمواطن، قائلا: "أنا رأيت شخصيا أن الرغيف لا يصلح للاستخدام بشكل جيد ومميز، ولكن إذا نقص وزنه وأضيف الكثير من العناصر الغذائية إليه، ووصل الرغيف إلى المواطن بالشكل الذي يجب أن يصل له فهذا في مصلحته ولكن لا يستفيد منه حاليا لسوء وضع الرغيف".

 

وأضاف رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية، أنه لا يرى أن هذا القرار ضد مصلحة المواطن أو محدودي الدخل بل في صالحه لأن الرغيف بحجمه الطبيعي يهدر منه الكثير، لأن جزءًا كبيرا منه لا يصلح للاستخدام، ولكن الآن يستطيع المواطن أن يستفيد به بالكامل.

 

أصحاب المخابز

 

وعن دور الدولة في الفترة المقبلة.. أشار إلى أنه على الدولة ووزارة التموين أن تراعي وتعيد النظر من وقت لآخر في دعم الخبز بالنسبة للمواطن المصري، وأن تراقب أصحاب المخابز وكل من يتم صرف له حصص من السلع التموينية لكي تستطيع عمل هذا الرغيف.

 

ولابد من إعادة تطوير منظومة الخبز بشكل يحقق الصالح للمواطن، وأيضا الصالح العام للدولة بعدم إهدار فاقد كثير في سلسلة استخدام الخبر، فلابد أن المنظومة بالكامل تعاد بشكل جيد وبشكل به شفافية مطلقة.

 

وتابع: "إن لم يحقق هذا القرار الفائدة الفائدة المرجوة منه، ولم يحقق استفادة للمواطن والموازنة العامة للدولة أو حتى يكون هناك فائض للتصدير للخارج فسيكون هذا إجراءً غير سليم".

 

كما يرى الدكتور خالد الشافعي أن هذا القرار ليس لرفع سعر الخبز لأنه مدعم، ولكنه يساعد على رفع سعر الخبز بشكل غير مباشر من جانب القطاع الخاص، فلابد من الرقابة على الأسواق ومنافذ بيع الخبز على مستوى الجمهورية حتى لا تكون هناك فرصة لمنعدمي الضمير ومستغلي الظروف في رفع الأسعار على المواطن.

 

وعن القرارات التي تتخذها الدولة في الوقت الحالي، قال «الشافعي»: إن أغلبها من أجل الترشيد وإعادة التوجيه لمن يستحق الدعم في مصر، فالحكومة قرارتها صائبة ولابد من تقييم أداء الحكومة ككل وليس جزء من أداء الحكومة، فلا يمكن تقييم كل قرار بشكل منفرد ولكن يتم بشكل جماعي.

 

واستطرد: "إذا نظرنا إلى الخبراء والتقارير الاقتصادية الدولية نجدها تؤيد ما قامت به الحكومة من إجراءات فلابد أن نأخذ الأمور بأكثر حكمة وبأكثر من بُعد اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي على الأمد القصير والبعيد، ونريد جميعا أن تيسر الأمور بشكل جيد من خلال رؤية واضحة تحقق الأفضل في صالح الاقتصاد المصري".

 

كما تطرق الدكتور خالد الشافعي إلى التضخم الذي سيحدث نتيجة هذا القرار، فأوضح أنه لأول مرة منذ ١٤ عاما يكون نسبة التضخم ٥ %، فبالفعل لأول مرة يصل معدل التضخم إلى هذا المنحنى، وحتى إذا زاد معدل الاستهلاك سيرتفع معدل التضخم بنسبة 1 % فقط، وهناك الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هو المنوط به قياس معدلات التضخم سواء في المدن أو الريف، قائلا: "أعتقد أن هذه المؤشرات ستظهر الشهر المقبل وليس اليوم أو غدا..

 

ومن وجهة نظري لا أرى أنه ستحدث زيادة تذكر على معدل التضخم في الفترة المقبلة"، ولكنه أكد أن المواطن المصري هو من يتحمل أعباء الإصلاح الاقتصادي، ولكن في النهاية الإصلاح هو إجراء لابد من اتخاذه لتحقيق المستهدفات، متابعا: "نحن نسابق الزمن من أجل إعادة بناء الوطن وإعادة الاقتصاد القومي وتحقيق تنمية حقيقية في مصر".

 

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية