رئيس التحرير
عصام كامل

العريان ومبارك.. الصدف التاريخية

بدأ التاريخ يظهر عندما قرر الإنسان البدائي أن يقص على أبنائه قصص أسلافه ممتزجة بالأساطير والمعتقدات ورغم أن الوقائع التاريخية لا تخضع للتجارب العلمية كالمعاينة، والمشاهدة، والفحص، والاختبار، والتجربة..

 

وبالتالي لا يمكن عن طريق دراسة التاريخ أن نستخلص قوانين علمية ثابتة مثلما يحدث مع بقية العلوم إلا أن هذا الأمر لا ينفي أن الوقائع التاريخية تتكرر أحيانًا وتجدر دراستها من منطلق أن الإنسان كائن اجتماعي يرغب في التعرف على تاريخ تطوره ليتعلم من أخطائه ويضمن عدم تكرارها.. فالتاريخ وإن لم يكن علم تجربة واختبار لكنه علم نقد وتحقيق.

جريمة الفيرمونت
يتميز التاريخ بعنصر المصادفة التي تتدخل كثيرًا في حسم الأحداث وتغيير دفتها.. فلولا المصادفة ربما نجت هيروشيما من القنبلة النووية التي ألقتها عليها القاذفة الأمريكية في أغسطس من العام 1945 فقد كان لدى هذه الطائرة تعليمات واضحة وهو إلقاء القنبلة النووية على مدينة من ضمن أربعة مدن يابانية..

 

لم تكن أولهم هيروشيما ولكن أثناء إقلاع الطائرة تم إبلاغها بأن الغيوم تحجب مدينة كوكورا ونيجاتا فلا داعي لإطلاق القنبلة على أحدهم وسيكون من الأفضل أن تطلق القنبلة على مدينة هيروشيما التي تدمرت تمامًا لمجرد أن الطبيعية جعلت سماءها مشرقة في هذه الليلة بينما نجت مدن يابانية أخرى من هذا المصير لأن الغيوم غطت سماءها.


إن المصادفة تسير مع صفحات التاريخ لا تكاد تتركه وتؤثر في أحداثه باستمرار صانعة دراما إنسانية.. فقبل أكثر من مائة عام من الحرب العالمية الثانية كان الذعر يسود أوروبا بعد هروب نابليون بونابرات من جزيرة إلبا في فبرير 1815 فقد جمع الجيوش لغزو أوروبا إلا أن الصدفة لعبت دورها مجددًا بعد إصابة نابليون بالإسهال المزمن الذي أعاقه على إدارة معركة واترلو ليضطر لترك الكثير من مسؤولياتها إلى قادته فخسر المعركة ومعها فرنسا.


ضاعت هيروشيما لأن الصدفة جعلت سماءها الصافية في تلك الليلة هدفًا سهلًا للقنبلة النووية.. وخسر نابليون فرنسا لأن الصدفة التي جعلته يمرض خلال حملته العسكرية أضعفت قدرته على إدارتها.. هل هي مجرد صدف أم ترتيبات من القدر لكي تنهزم اليابان وفرنسا!

ناصر.. ولا يطولوه العدا
من اليابان وفرنسا إلى مصر نتذكر الأمس القريب عندما صرح القيادي الإخواني عصام العريان بأن الرئيس الأسبق حسني مبارك لن يخرج من السجن إلا على القبر.. واستهتر حينما طالبه أحدهم بشيء من الرحمة !


مرت سنوات على هذا التصريح المتعجرف أعيدت خلالها مصر إلى أبنائها بعد اختطاف الإخوان لها.. مات "مبارك" مكرمًا كوننا لم ننس أنه أحد أبطالنا في حرب أكتوبر بينما خرج "العريان" من السجن إلى القبر!
حصل القيادي الإخواني على المصير الذي تمناه لمبارك.. إنها الصدف والمفارقات

التاريخية القادرة دائمًا على مفاجأتنا.

الجريدة الرسمية