رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية ميس برلين مع النيابة الإدارية (2)

نستكمل اليوم واقعة التعاقدات بين الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي وشركة ميس برلين، والتي أشرف عليها اثنان من المستشارين القانونيين السابقين أثناء ندبهما من الجهات والهيئات القضائية، وأثر الإجراءات الخاطئة على إهدار المال العام.


ولسنا هنا بصدد تحقيق دفاع رئيس هيئة تنشيط السياحة، فالقضية ما زالت مُتداولة، ولكننا نُناقش "بهدوء" خطورة عدم احترام الدستور المصري الذي نص في مادة "انتقالية" في ضوء تطلعه نحو مستقبل أفضل، على إنهاء ندب كافة أعضاء الجهات والهيئات القضائية للجهات الإدارية خلال خمس سنوات من تاريخ إصداره، كما حَظَرَ في مادة أخرى صراحةً نَدبَهم إلى غير الجهات القضائية، وهو ولا شك نصٌ له أهميته.

وتنبُع تلك الأهمية من أن المُشرع الدُستوري مُنَزَّهٌ عن العبث، ومن ثم فكان من الضروري سرعة تدخل مجلس النواب لسن التشريع المُكمل لهذا النص الدستوري الذي وضع حدًا أقصى لسَن القانون خلاله، والذي انقضى منذ حوالي عام، وكان أولى من التشريعات التي لم ينُص عليها الدستور.
هل يحسم يوسف الشريف النهاية 2020؟
كما نلفت النظر لبعض ما قد يحدث من تجاوزات خلال ذلك الندب، وهي ولا شك أحد أسباب النص الدستوري المشار إليه، ومنها ما يُثار داخل الجهات الإدارية من أن رأي المستشار القانوني هو مجرد رأي لا يُعْفي من المسئولية.

وتحت أيدينا مستندات رسمية تؤيد حُدُوث ذلك، وكأن المستشار القانوني المنتدب قد ذهب إلى الجهة الادارية ليُقَدِم النصيحة ثم يعود إلى بيته، ويؤكد ذلك وجود مراكز قُوى داخل الجهات الحكومية مثل "ت م " مدير المكتب السياحى ببرلين السابق على نحو ما تضمنته أوراق القضية رقم 1 لسنة 2017 سياحة وإعلام، والمقيدة بالمكتب الفنى لرئيس هيئة النيابة الإدارية حاليًا برقم قضية 114 لسنة 2019، وقضايا آخرى عديدة.
طارق شوقي بين السماء والأرض
كما نتساءل عن طبيعة عمل عضو الهيئة أو الجهة القضائية المنتدب مستشارًا قانونيًا لإحدى الجهات الإدارية، فقد أوضحت الجمعية العمومية للفتوى والتشريع بجلستها المؤرخة 12 يوليو 2007 في الفتوى رقم ٦٢٨/٦/٨٦ أن طبيعة عمل عضو الهيئة القضائية المنتدب هي معاونة رئيس الجهة الادارية عند استخدام صلاحياته في الوصول إلى القرار الصائب، وليس الإشراف على أعمال الإدارة القانونية أو تقييم أعضائها.

والقراءة المتأنية لتلك الفتوى تطرح تساؤلات عن مدى جواز إعداد (أ س) المستشار القانوني السابق للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي ندبًا من إحدى الهيئات القضائية، عقدًا بين الجهة الإدارية المنتدب بها وجهة أخرى أجنبية، (شركة ميس برلين) وبَـ"لُغَةٍ أجنبية لا يُجِيدُها"، وهي اللغة الألمانية، وأن يُتابِع إجراءات توقيع أطرافُه.
هل كُنت سببًا في فقد عزيزٌ لديك؟
أليس في ذلك انتقاصٌ من اختصاصٍ أصيلٍ للإدارات القانونية بإعداد العُقود، وهو ما أشارت إليه الفتوى المذكورة بشأن استقلال الادارات القانونية، وتضمنته المادة ٦ من القانون رقم ٤٧ لسنة ١٩٧٣، ألا يُشَكِل ذلك أيضًا افتئاتًا على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة العقود؟ ومَن المسئول عن إهدار ٣٢٠ ألف يورو صُرِفَّت إلى "ميس برلين" إذا تبين خطأ المستشارين القانونيين السابقين؟ 

ولن تنتهي التساؤلات، ولا الشبهات إلا بتحرك عاجل يحترم الدستور، مع تحرك أسرع منه بإنهاء الجهات والهيئات القضائية ندب السادة المستشارين المنتدبين، وعودتهم إلى محاريب العمل القضائي المُقَدَس، حتى لا يُتْهم المستشارون بأنهم سافروا إلى الخارج على نحو يخالف مقتضيات عملهم، ودون علم جهات عملهم، وتقاضيهم بدلات لا يستحقونها، وأنهم يتدخلون في أعمال زملائهم لحساب أصحاب النفوذ في جهات الندب، إلى غير ذلك من الشبهات التي يجب ألا يتسخ بها ثوب القضاء الناصع، وهو ولا شك أحد أهداف الدستور الذي أراد الحفاظ على أعضاء الهيئات القضائية من "ميس برلين".
محافظ القاهرة «يُشَرِد» عمال المعمار بالقرار 3194
لقد بات واجبًا، أن نُنَاشِد المُستشار عمر مروان، وزير العدل، بما عُرِفَّ عنه من قوةٍ في العدل، وحكمةٍ في القرار، أن يُوجِه بإعداد مشروع قانون تتبناه الحكومة لمناقشته بمجلس النواب احترامًا للدستور وحِفاظًا على ثوبِ القضاء.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية