رئيس التحرير
عصام كامل

د. نادية حلمى: أوجه التشابه بين ثورة 30 يونيو مع الثورة الصينية (5 – 5)

د. نادية حلمي
د. نادية حلمي

مرت الثورتان بعلاقات مضطربة مع الغرب فى بدايتهما؛ نتيجة لاختيارهما لمواقف مستقلة تعكس التحديات الحقيقية التى تواجه شعوبهما والمنطقة، فضلاً عن بعث (الهوية القومية) ومضامينها المعارضة للتدخلات الأجنبية فى الشئون الداخلية.
 فمنذ عام 1921 حتى قيام ثورة 1949 فى الصين، قاد الحزب الشيوعى الصينى أبناء الشعب فى نضالات شاقة ومريرة، وأسقط حكم الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، وأسس جمهورية الصين الشعبية بعد نجاح ثورته. وبعد تأسيس الجمهورية، قاد الحزب الشيوعى أبناء شعبه بمختلف قومياته لصيانة استقلال البلاد وأمنها. وكانت بداية ثورة 30 يونيو فى مصر هى إسقاط حكم الميليشيات والطوائف الدينية والحفاظ على هوية الدولة المصرية المدنية بالأساس، وعدم تقسيم البلاد والحفاظ على وحدتها.                                          

2) أما عن دور الزعامات الجديدة فى مصر والصين بعد الثورة، فنلاحظ هنا اتجاهها الواضح لإحداث توازن فى علاقاتهما الإقليمية والدولية وتصحيح الاختلالات التى حدثت فيهما خلال الفترات السابقة عربياً وأفريقياً ودولياً.                                                        

  3) وبخصوص نظرة القيادات السياسية بعد ثورة 30 يونيو فى مصر وثورة 1949 فى الصين للعالم: فكلاهما أوضحا أن التعاون هو الأساس، مشترطين ألا يتم ذلك على حساب مصالح القوى الصغيرة والمتوسطة، وألا يمثل هذا اتفاقاً على الهيمنة على العالم.              

4) أما عن الخبرات المشتركة لكل من ثورتى مصر والصين، فقد اكتسبت الثورتان خبرة كبيرة – رغم قصر فترتهما – فيما يتعلق بالوضع الدولى، وإدارة علاقاتهما مع واشنطن والغرب، وإعادة تكييف نظمهما وسياساتهما مع استمرار تقييمهما لما وصلت إليه تجارب ومراحل النمو فيهما، مع اتفاقهما على ضرورة الإستفادة من اتجاهات التطور والتحديث الاقتصادية والتكنولوجية العالمية كشروط ملحة لمواكبة التحديث وآليات العصر الحديث.

5) وللإجابة عن سؤال التشابه بين بدايات الثورة الصينية والمصرية، فقد أكدت الثورة الصينية عام 1949 ثلاثة أهداف رئيسية، الأول (القومية)، وكانت تهدف إلى الاستقلال عن النفوذ الأجنبى، والهدف الثانى (التوحد تحت هدف قومى) يحكمه سلطة مركزية، والهدف الثالث (التغيير الجذرى للظروف الاقتصادية والاجتماعية).

والمدقق فى الأهداف الثلاثة يجدها هى نفس أهداف الثورة المصرية فى 30 يونيو للخروج من عباءة التبعية كثورة جديدة لتصحيح مسار 25 يناير، ولتحسين الظروف الإقتصادية والمعيشية، من خلال ما تمخض عنها من مشروعات وبنية تحتية أساسية.  

6) وللتعرف على الأجيال والزعامات التى قادت الثورتين فى مصر والصين، فمنذ تعزيز  سلطتى جيش التحرير الشعبى والحزب الشيوعى الحاكم بعد ثورة 1949، توالت على حكم الصين حتى الآن (خمسة أجيال) من القيادة الجماعية على قمة هرم الحزب والدولة، وانعكس ذلك فى الخطاب الرسمى للبلاد، فارتبطت كل قيادة توالت على حكم الصين بعد الثورة فى ذهن وعقل أبناء الشعب الصينى، لما اتسمت كل منها بسمات محددة تندرج تحت (الأيديولوجية العامة للحزب). وصولاً إلى (الجيل الخامس) أو الحالى بزعامة الرئيس الصينى (شى جين بينغ). ولكن ما يميز أجيال ثورة (30 يونيو) فى مصر، هى كونها بالأساس (ثورة شعبية) شاركت فيها كل المؤسسات الوطنية المصرية، تحت شعار "نريد الوطن، بينما هم يريدون الميليشيات والطوائف".                                                                
7) ركائز السلطة بعد ثورتى 30 يونيو فى مصر و1949 فى الصين: ثلاثة مواقع قيادية تشكل ركائز السلطة الثلاث فى الصين هى (الحزب الشيوعى الحاكم)، والدولة (الحكومة) بكافة قياداتها وتشكيلاتها، ثم (جيش التحرير الشعبى) وأحياناً يسمى (جيش الشعب) أو القوات المسلحة بمفهومنا الدارج. ينما كانت ركائز ثورة 30 يونيو هى ما يسمى بــ (ثورة الثوار والدولة) معاً، تضامن معها القضاء منذ البداية وكان جزءاً منها، ثم تضامنت معها الشرطة، وتبناها الجيش والأزهر والكنيسة، ووضع خارطة طريقها شباب الثورة أنفسهم.

8) اتفاق (الثورتين المصرية والصينية) على أن التحديث فى نظرهم عملية تقتضى سلطة حازمة لوضعه موضع التنفيذ؛ لأن أهم سمة ميزت ثورة 30 يونيو هى: غياب شعار إسقاط النظام وعودة الدولة المدنية بعيداً عن أى استقطابات دينية، لذا، ظهرت العديد من الإضطرابات بعد سقوط حكم الإخوان من زيادة العمليات والأنشطة الإرهابية، تعرض الأمن القومى للخطر، حدود السيادة، مشكلة المياه وسد النهضة، والأنفاق فى سيناء. لذا، كان لابد من سلطة حازمة فى مصر بعد نجاح ثورة 30 يونيو تواجه كل هذه الفوضى والاضطرابات. وعلى الجانب الصينى، فيكاد يكون الاتفاق على أن أى خطة تحديثية للصين لن تنجح بدون القضاء على الفساد والفاسدين، فتش عن الفساد. فكان أول زعيم صينى من جيل الزعامات بعد ثورة 1949 فى الصين يقود حملة ضد الفساد، هو "جيانغ زيمين"، والذى كان حريصاً على مخاطبة العقليات السياسية داخل الحزب الشيوعى، ومصارحة رفاقه أى زملائه من أعضاء الحزب بالمشاكل والعقبات التى تعترض مسيرة التنمية والتحديث فى بلاده، وعلى رأسها "الفساد"، والتى ترتب عليها جملة من المشاكل مثل: التفاوت الطبقى للسكان، البطالة، الفقر، التهميش... إلخ.  

9) عمليات اختيار وإعداد وتأهيل القادة الجدد فى مصر والصين بعد ثورتى يونيو فى مصر و1949 فى الصين: يأتى إختيار الكفاءات الشابة فى الصين ما بعد ثورة 1949 - على الفرازة كما يقول التعبير المشهور فى مصر – وهى نفس الفكرة تحديداً، التى سبق إلى بلورتها زعيم مسيرة التجديد الراحل (دينغ شياو بينغ) الذي طرح مقولته الشهيرة عن "التحولات الأربعة"، ومؤداها أن تؤدى التحولات السياسية إلى أن يتولى مستقبل الصين الجديدة قيادات شابة تتسم بالصفات الأساسية التالية: أن تكون "ثورية"، وفى سن أصغر (المسائل هنا نسبية طبعاً)، ولكن على قدر أوسع من "المعرفة"، وقدر أكبر من (التخصص على مستوى الخارج)، لذا يصبح من المتوقع أن يحرص ويعمل قادة الصين الجدد على (بلورة علاقات أفضل مع الخارج)، ولكن فى إطار سياسى ودبلوماسى أوسع نطاقاً. وعلى الجانب الآخر، كان من أهم مكتسبات ثورة  يونيو) هى "البرامج الرئاسية"، فكان اهتمام الرئيس السيسى بالشباب كبيراً، من خلال إعداهم للقيادة، وتدشين "منتدى شباب العالم"، والإعلان عما يعرف بــ "البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة"، والتى بدأت فكرتها بالإعلان عن مبادرة الرئيس السيسى عنها بنفسه فى سبتمبر 2015، بهدف إنشاء وتأهيل قاعدة من الكفاءات الشبابية وتأهيلها للعمل السياسى، والإدارى، والمجتمعى بالدولة، ورفع كفائتهم بأحدث النظريات العملية والإدارية بما يؤهلهم للتخطيط للمستقبل، وزيادة قدرتهم على تطبيق أحدث الأساليب لمواجهة التحديات.

10) طغيان لغة (المصارحة) أو (المكاشفة) بحقيقة الأوضاع السائدة فى (الخطاب السياسى الصينى والمصرى الرسمى) ما بعد ثورتى 30 يونيو فى مصر و1949 فى الصين: فلقد توقف المهتمون بالشأن الصينى طويلاً للتحليل عند تأمل الزعيم الصينى الراحل "جيانغ زيمين"، وهو يسلم مقاليد الحكم لمن سيأتى بعده، فقد أثارتهم نبرة (المصارحة) أو (نقد الذات) التى يتدربون عليها فى (مدرسة الكادر فى الحزب الشيوعى الحاكم)، وفى إطار هذه المصارحة لم يتورع الزعيم الصينى (زيمين) عن أن يقول بغير مواربة ولا تزويق: أيها الرفاق: "إذا لم نضرب بيد من حديد على أيادى الفساد والمفسدين، فإن وشيجة الدم واللحم – أى الرابطة التى تربط حزبنا بالجماهير - التى تربط بين الحزب والجماهير سوف تتصدع ويصبح الحزب فى خطر من أن يفقد موقعه الحاكم فى البلاد، بل وربما يجد الحزب نفسه متجهاً إلى حيث الدمار الذاتى". وعلى الجانب المصرى، نلاحظ أن خطابات الرئيس (السيسى) بعد ثورة 30 يونيو، منذ اللحظة الأولى، غلب عليها لغة المصداقية والمصارحة كمنهج عام لخطاباته، بدون عمل أى نوع من الدعاية، بل كان بمثابة مصارحة ومكاشفة بجميع التحديات والمخاطر التى تواجهه أمام الشعب.  فكما قال السيسى حرفياً: "مِن اللحظةِ الأولى التى أقفُ فيها أمامَكم، أريد أن أكونَ أميناً معكم كما كنت دائماً، وأميناً مع وطنى، وأميناً معَ نفسى". أو حديثه الجاد حرفياً فى أحد خطاباته: "لدينا نحن المصريين، مهمةَ شديدةُ الصعوبةِ، ثقيلةُ التكاليفِ". كذلك حديثه "يجبُ أنْ نكونِ صادقينِ مع أنفسِنا"، وجملة "صناعةُ المستقبلِ هى عملٌ مشتركٌ، هى عقدٌ بين الحاكم وبين شعبه"، أو حديثه الصريح "الحقيقة أنا عايز أصارحكم، والظروفُ كما ترونَ وتُقدّرون"، أو حديثه الواقعى بــ "أنا لا أُقَدّمُ المعجزاتِ، بل أقدّمُ العملَ الشاقَ والجهدَ وإنكار الذات بلا حدود"، أيضاً وعده للمصريين من أبناء الشعب فى الإطار الواقعى بحديثه لهم "إننى أعدُكُم بأننا نستطيعُ معاً، شعباً وقيادةً". وغيرها من العبارات والجمل التى احتوتها خطاباته السياسية فى مجملها والتى تحمل معانى المصارحة والحقيقة بدون اختيار منمق لمعانى الكلمات، وهى نفس الأفكار التى تربوا عليها فى مدرسة أو ما يسمى بكادر الحزب الشيوعى فى الصين، ما بعد ثورة 1949 فى الصين.


ومن خلال عرض الباحثة لمجمل النقاط السابقة، يتضح لنا بالدليل حجم التشابه والتقاطع بين التحديات التى تواجه كلاً من مصر والصين، وهذا هو ما دفع الصين لتأييد مصر بعد ثورة 30 يونيو، مع استمرار حرص الدولة الصينية على مواصلة العلاقات مع مصر فى عهد السيسى بعد ثورة يونيو على نحو إيجابى، والاستفادة مما تم تحقيقه فى الفترات السابقة لبناء علاقات أكثر قوة ومتانة واستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون المصرى الصينى، بما يعتمد على العطاء المتبادل، ويستند لفهم كل طرف للمصالح الوطنية للطرف الآخر ويتجاوب معها، مع ما يتطلبه ذلك من تدعيم الركائز الأساسية للعلاقات المصرية الصينية الإقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية فى ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.


ومن هنا، أختم تحليلاتى السابقة بما تعلمته من سياسة الصين وتحولاتها الأخيرة وتنافسها مع واشنطن وغيرها، وهى أنه يجب أن نضع فى أذهاننا أن الصين لا تقرر سياستها الخارجية استناداً إلى أحقية الأمور أو بطلانها، لأن هذا معيار سياسى يحتشد بالعوامل العاطفية والانفعالية، ولا تترتب عليه نتائج عملية. ولكنها تتخذ من "المصلحة الوطنية" معياراً لسياستها الخارجية. والمقصد أن نقول: محافظة السياسة الدبلوماسية على الحد الأقصى لمصالح الصين الوطنية بعد حسابها حساباً دقيقاً، هو "النجم الهادئ للدبلوماسية الصينية" الناجحة؛ لذا فإن التقارب الصينى مع القاهرة، وتأييد بكين لمطالب ثورة 30 يونيو فى مصر لم يأت من فراغ، بل بناء على حسابات دقيقة، وهى الدلالة القاطعة على نضوج "الدبلوماسية الصينية" التى شهد لها الخصوم قبل الأصدقاء، وما أكثر أصدقاء الصين فى كل مكان.

--------------------------------------
( * ) أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد.. بجامعة بنى سويف.. خبيرة فى الشئون السياسية الصينية.. محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد.. مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا.


الجريدة الرسمية