رئيس التحرير
عصام كامل

الخبير الاقتصادي د. رشاد عبده: العالم بعد كورونا سيظل كما كان قبله.. والدول الفقيرة قد تدخل في مجاعات (حوار)

الدكتور رشاد عبده
الدكتور رشاد عبده

خفض الفائدة يصب في صالح الحكومة ويقلل من أعباء الدين عليها 

«التعليم عن بُعد» سيكون له شأن كبير حول العالم واستفادة مصر ستكون قليلة بسبب السرعات المتدنية لخدمات الإنترنت


ما بين الحديث عن تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد المصرى، والارتفاع الذي شهدته معدلات التضخم مؤخرًا، والإجراءات التي اتخذتها حكومة الدكتور مصطفى مدبولى لمواجهة تداعيات الجائحة التي ضربت العالم منذ عدة أشهر، وكان لها بالغ الأثر على غالبية القطاعات الاقتصادية، دار الحوار مع الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادى، الذي أكد أن البنوك المصرية لديها أدواتها القوية للتحكم في معدلات التضخم.


«سعر الفائدة» أمر آخر تحدث عنه الخبير الاقتصادى، وحدث ما توقعه وهو عدم لجوء البنك المركزى في اجتماعه الأخير لاتخاذ قرار رفعها، والاكتفاء بـ«تثبيتها»، وإن كان – بحسب رأى الدكتور رشاد- تخفيضها سيصب في صالح الاقتصادى المصرى وكافة الأطراف المعنية بالأمر.. وعن طبيعة هذه الاستفادة ورؤيته لـ«عالم ما بعد كورونا» وملفات اقتصادية أخرى كان الحوار التالى:

 

*بداية.. ما الأسباب التي تقف وراء ارتفاع معدلات التضخم رغم استمرار تراجع سعر الدولار في سوق الصرف أمام الجنيه المصرى؟


من المتعارف عليه أن البنوك لديها أدواتها القوية للتحكم في معدلات التضخم، فالبنك المركزى يمكن أن يتحكم في هذه المعدلات من خلال سعر الفائدة، كذلك فإن تنظيم المكاسب من الأدوات التي توجد في يده من خلال سعر الفائدة، فالتحكم في السيولة داخل السوق يؤثر بشكل مباشر في معدلات التضخم في السوق.

 

وذلك يكون من خلال إما رفع الفائدة فيذهب المواطنون مباشرة لإيداع أموالهم في البنوك للاستفادة من الفائدة المرتفعة، وبالتالى تنخفض السيولة من السوق فتنخفض الأسعار مباشرة بتراجع الطلب على السلع، وبالعكس يمكن للبنوك التحكم في الركود في المبيعات والشراء والإقبال عليها في السوق وذلك من خلال خفض الفائدة فيتراجع المواطن عن إيداع أمواله بالبنوك ويذهبون لشراء سلع وخدمات وبالتالى ترتفع الأسعار.

 

وهناك شكل آخر من أشكال تحكم البنك المركزى والبنوك في معدلات التضخم، يتمثل في مخاطبة البنوك بشان الودائع، وهو إجراء يستهدف التحكم في الاحتياطي النقدى فيتم مخاطبة البنوك لرفع الاحتياطي للوصول إلى ٢٠٪ على سبيل المثال، وبالتالى تتراجع قدرة البنوك على منح الوظائف وبالتالى ينخفض التضخم.

*برأيك.. هل نسبة التضخم الحالية تمثل خطرًا قد يدفع السياسة النقدية للاتجاه إلى رفع الفائدة مجددًا؟


أعتقد أن النسبة الكلية للتضخم ليست بالكبيرة، وبالتالى لن يكون هناك ما يجبر البنك المركزى ولجنة السياسة النقدية لرفع الفائدة، وأعتقد أن قرار السياسة النقدية المقبل سيكون بتثبيت الفائدة مجددا، وإن كان خفض الفائدة يصب في المقام الأول في صالح الحكومة التي تعد أكبر مقترض من البنوك، وبالتالى فإن خفض الفائدة يقلل من أعباء الدين على الحكومة وبالتالى يقلل من التزامات الحكومة تجاه البنوك، كذلك يصب خفض الفائدة في مصلحة المستثمرين والاستثمار.

 

وبشكل عام أعتقد أن خفض الفائدة -كأي قرار اقتصادي- له تأثير على الأطراف المعنية به مثل الحكومة والمواطنين والمستثمرين والمصنعين وغيرهم، سواء كان إيجابيًا على بعض هذه الأطراف، وسلبيًا على البعض الآخر، فالرابحون من قرارات خفض الفائدة هم المصنعون ومقدمو الخدمات وهم أبرز الفئات التي تنتظر خفض الفائدة واستمرار البنك المركزي في سياسة التيسير النقدي على أحر من الجمر، والذي يساعدهم خلال الفترة المقبلة على تنفيذ التوسعات أو المشروعات الجديدة التي يرغبون في تنفيذها، حيث كانت الفائدة المرتفعة أحد أهم العوائق التي حالت دون ذلك.

 

كما يشجع خفض الفائدة المستثمرين على العودة مجددًا للاقتراض بشكل قوي من أجل تنفيذ المزيد من التوسعات والمشروعات الجديدة، وأيضا خفض التكاليف التمويلية وهو ما ينعكس في النهاية على صافي أرباحهم، هذا إلى جانب أن زيادة المعروض من المنتجات مع هذه المشروعات الجديدة يساهم في تقليل تكلفة الإنتاج وتوفير السلع بأسعار مناسبة وهو ما يعود بزيادة الطلب من المستهلكين على منتجاتهم، وزيادة الإيرادات والأرباح، وبشكل عام من المؤكد أن الدولة لا ترحب بأى قرار لرفع الفائدة للأسباب السابقة.

*اقتصاديًا.. كيف تقييم القرارات الرئاسية والحكومية التي تم اتخاذها خلال الأشهر الماضية لمواجهة جائحة كورونا؟


الرئيس أعلن في بداية تفشى جائحة كورونا عن ضخ ١٠٠ مليار جنيه لمواجهة تبعات أزمة كورونا، كتراجع الصادرات وعائدات السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، كما أعلن الدكتور مصطفى مديولى، رئيس الحكومة، عن حزمة قرارات مهمة لدعم قطاع الصناعة، والتعامل مع التداعيات الاقتصادية لفيروس «كورونا المستجد».

 

وتضمنت خفض سعر الغاز الطبيعى للصناعة عند 4.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، كما تقرر خفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالى والمتوسط بقيمة 10 قروش، مع الإعلان عن تثبيت وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقى الاستخدامات الصناعية لمدة من 3 إلى 5 أعوام مقبلة، كذلك خفض تكاليف التداول في البورصة، وغيرها من الإجراءات مثل تأجيل موعد استحقاقات القروض وتأجيل الضرائب العقارية كان لها تأثير كبير على القطاعات التي تأثرت من كورونا.

*هل هناك إجراءات أخرى ترى أن الحكومة كان من الواجب أن تتخذها لحماية الاستثمار والاقتصاد الوطنى؟


إلى حد كبير يمكن القول أن الحكومة نجحت في امتصاص الآثار السلبية لجائحة كورونا وذلك بشهادة المنظمات والمؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولى، الذي أكد أن مصر هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي كان معدل النمو فيها إيجابيا.

 

كما أن نحو ١٧ دولة معدل نموها سيكون سالبًا بسبب جائحة كورونا وتأثيراتها المتتالية، وبشكل عام إدارة أزمة كورونا كانت ناجحة منذ البداية، حيث تم تقسيم فرق العمل في المؤسسات الحكومية والعمل بالتناوب في المصانع والمؤسسات وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعى.

 

وأعتقد أن الحكومة أثبتت خلال الفترة الماضية قدرة وكفاءة في إدارة الأزمة وبشكل مقبول، وهناك مجموعة من الخطوات التكميلية التي يمكن أن تظهر مع استمرار الأزمة، ومنها تمويل المصانع التي تحتاج للتطوير بتمويل منخفض التكلفة لكي تستطيع شراء الأدوات، وأرى أنه على وزارة الصناعة حصر جميع الشركات والمصانع المتوقفة والمعطلة ومساعدتها بتمويل أو بعقد شراكة معها لتقويتها والاستعانة بخبرات الاتحاد الأوروبي أو دول جنوب شرق لتقوية هذه الشركات والمصانع.

*كيف ترى الوضع الاقتصادى في مصر والعالم بعد أزمة كورونا؟


أعتقد أن الحديث حول أن العالم بعد كورونا لن يكون كما كان قبل كورونا، غير حقيقى فالدول الكبيرة ستظل كبيرة رغم ما أصابها من أزمات بسبب كورونا، كما أن الدول الفقيرة ستزداد فقرا وقد تدخل في مجاعات وأزمات طاحنة، فإذا نظرنا إلى دولة كالولايات المتحدة الأمريكية نجدها رصدت نحو ٣.٥ تريليون جنيه لمواجهة تداعيات كورونا.

 

كذلك واجهت الدول الكبرى الأزمات بإجراءات وخطوات فعالة حدت من الآثار السلبية للجائحة في الوقت الذي واجهت الدول الفقيرة ودول العالم الثالث الأزمة بخطوات ليست فعالة في مواجهة التداعيات المستمرة منذ بداية العام ٢٠٢٠، ورغم أن دولًا كبرى حققت معدلات نمو منخفضة مثل فرنسا التي سجلت ٧.٢-٪، واليونان ٧.٩٪-، وأمريكا ٦.٦٪-، إلا أن هذه الدول واجهت الأزمة بإجراءات قوية أدت إلى تراجع الاصابات تدريجيًا وتراجع التداعيات الخطيرة على اقتصادها.

*ما القطاعات التي استفادت من أزمة كورونا خلال الفترة الماضية ومن المتوقع أن تستمر استفادتها مستقبلًا؟


من المؤكد أن «التعليم عن بُعد» سيكون له شأن كبير حول العالم، وبخاصة في الدول التي تدعم الإنترنت بسرعات كبيرة، أما في مصر فالاستفادة لن تكون بنفس القدر بسبب السرعات المتدنية لخدمات الإنترنت، وأعتقد أن المدن الذكية ستشهد توسعا كبيرا، كما أعتقد أن دول العالم ستتوسع وتعطى لقطاع التعليم والبحث العلمى اهتماما كبيرا، كذلك سيكون لدول كثيرة اهتمام خاص بالقطاع الطبى والدوائى، وسيكون له الصدارة في العديد من الاستثمارات، وسيكون له شأن في أنشط القطاعات في البورصات حول العالم وفى مصر أيضا.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...

الجريدة الرسمية