رئيس التحرير
عصام كامل

إسعاد يونس

أخبار كثيرة أعرفها من شبكات التواصل، بما أنني لا أتابع التلفاز إلا قليلا.. قرأت أمس عن مقالة لإسعاد يونس التي احترمها كثيرا، وقد أثارت حفيظة بعض المستخدمين، بينما يدافع عنها البعض الآخر.. وبحثت عن مقالة "البت فتحية" التي قيل أنها تشير فيها إلى الإخوان وطبيعة العلاقة مع النظام والشعب وغيره..

وقرأت المقالة بعين الباحثة المحللة التى طبقت في كثير من بحوثها تحليلا للخطابات والمقالات الصحفية.. ولم أستنتج أبدا في مقالها هذه المقاربة بين فتحية وأبيها والإخوان والنظام! وتساءلت هل فقدت قدرتي علي التحليل!
وأعيد قراءة المقالة مرة أخرى ليتأكد لدي عدم الربط حتى وإن قصدت ذلك ولكنه لم يصلني، ولأجدها تصف واقعا مررت به في بداية حياتي العائلية وأندم عليه كثيرا..

أخطأت إسعاد.. نعم أخطأت!
أهانت إسعاد.. نعم أهانت! ولكن أخطأت وأهانت في حق من؟
في حق الله.. وللأسف!

الفقرة الثانية من المقال وبداية الفقرة الثالثة التي تصف فيها بمنتهي السخرية والاستهزاء والتعالي والاحتقار وجه فتحية وتفاصيله الدقيقة، لا يعكس عندي إلا سخرية مما خلق الله وصنعه وأحسن صنعه..


سطرت أنامل إسعاد وصفا لوجه فتاة فقيرة قادمة من الريف مع أبيها لتعمل في البيت وتعين السيدة على أداء مهامها، وكانت قاسية إلى أبعد حد وفي قمة التكبر على الله وهى تعكس لنا ملامحا لوجه وشعر وجسم من صنع الخالق بعدله ورحمته.. ما علاقة هذا التوصيف الشكلي بفصيل الإخوان! هل خلقنا الله بهيئة شكلية تختلف عن خلق هيئة ووجه وشكل وجسم الإخوان!
المقال لا علاقة له بهذه الجماعة!

 

 

إعتذار إسعاد يونس!
وما أوردته كان حفظا لماء وجهها الممتزج بكل ألوان التكبر والتعالي والسخرية والاستهزاء بطبقة غير قادرة على تكاليف الحياة، ولا تستطيع تغيير شكلها او وضعها! وإن استطاعت فلن تغير من خلق الله ابدا!


هذه الطبقات الكادحة، ومعظمها يعيش على الفطرة السليمة والقلب النقي التقي، قد تكون الأكثر قربا مننا إلى الله والاسبق في الدخول إلى الجنة من أوسع ابوابها! ولم لا وقد وعدها الحق بالحق والعدل يوم الفصل!

ولكن، وعلى صعيد آخر، ما وصفته إسعاد يعكس واقعا تعرضت له عديد من البيوت المصرية التي توظف لديها من يساعدها في أعمال المنزل.. مقال إسعاد يعكس قضية في منتهى الأهمية وهي استغلال الأب لبناته وتوظيفهم في البيوت، ليكسب من ورائهم مبلغا شهريا يعينه على قوت يومه والثمن حرمان الأم من أمومتها والابنة من حنان أمها.!!

منذ زمن بعيد، جاءني رجل مع طفلة ذات خمس سنوات او ستة لتعمل وتساعدني في البيت! ماذا ستفعل؟ وكيف ستساعد؟
- ستتعلم!
* واين والدتها؟
-انها مريضة لا تسمع ولا تتكلم وتحتاج للعلاج!
* ولكنها تشعر بأمومتها.. كيف تحرمها من ابنتها؟
- هي لا تشعر بشئ، وقد وظفت أختيها في بيوت آخرين ويزورونها بين فترة وأخرى!


اعتراض النواب على تصرفات زملائهم في حدود مهامهم


وخرجت الطفلة من بوابة الحنان الأولى والأخيرة، لتدخل من البوابة الأولي للقسوة التي صنعها أباها.. وكتب الله قدر هذه المسكينة عندي في البيت مع طفلين بعمر عام وعامين! كنت صغيرة في السن ولا أعي كثيرا مما أقول او أفعل!


وبالفعل، وكما وصفت إسعاد، تبدأ المسكينة حياتها بالدخول من بوابة القسوة الثانية بالنسبة لها، وذلك بالاستحمام والحرمان من شعرها، وبتعزيز نظافة شخصية على مزاج صاحبة البيت!

هي طبقة تعاني كثيرا إن لم تجد من يحنو عليها، وإن وجدت فتبكي أمها وطفولتها وبيتها وإخوتها.. ليحقق الأب غير المسؤول أهدافه! فقد تنتمي المسكينة لأسرة تعاملها كإبنة، ولأخرى قد تعاملها كعاملة، حتى مع صغر سنها!

لم أكن الأم الحانية ولا السيدة القاسية.. كانت تلعب مع أولادي وتمزح معهم كإخوتها، ولكني متأثرة جدا الآن حينما أتذكرها وقد كبرت قليلا وأوقظها من نومها ذات الثمان أعوام، في الصباح، لترافق إبني إلى باص المدرسة، أو تعد له السندوتشات وتجهز له حقيبته، وتبدأ في مساعدتي في تنظيف البيت..

 

كنت أتأثر كثيرا لأن اولادي يذهبون إلى المدرسة، بينما هي تخدم في البيت.. ظروفها حرمتها من التعليم وأنا أيضا.. لم احضر لها سريرا بل مرتبة لتنام عليها.. لم أكن أشتري لها ملابس من نفس المكان الذي أشتري منه لأولادي.. لم تأكل معنا كأسرة بل كانت تأكل بمفردها.. وكنت أضربها كما أضرب أولادي..


ماذا لو توقف الإعلام عن التغطية الدرامية للجرائم الإرهابية!!


ومع تقدمي في العمر، تغير فكري ونظرتي للأمور إلى حد ما.. علمتها القراءة والكتابة وأصبحت قادرة على قراءة القصص والقرآن.. عندما أسافر أشتري لها كأولادي ما يليق بها.. أصبحت تاكل معنا وفي حضرتنا.. عاملتها كفتاة مراهقة، وابنة في سن تحتاج إلي متابعة.. ووثقت فيها.. هذه الفتاة المسكينة، يعود إليها الفضل بعد الله سبحانه، في ترقيتي سريعا نتيجة مساندتها لي في أعمال البيت..

أتذكرها كثيرا وأستغفر الله على مواقف كثيرة لم أعى فيها احتياجات هذه المسكينة العاطفية والمادية.. هذا الأب كان يأتي ليحصل على مرتبها المجمع كل ستة اشهر، فلا يأخذها لترى والدتها وقد لا يراها، وهكذا يفعل مع أخواتها..

هذه البنوتة، الطفلة، المراهقة، تنتمي إلى طبقة كادحة جدا تنازل فيها الأب عن القيام بواجبه ودوره المسؤول في أسرته، واعتمد على كد وتعب بناته.. هي طبقة لا تستحق السخرية ممن هم أعلى منها اجتماعيا وماديا. هم يستحقون التقدير والتعاطف وليس التعالي والتكبر.. يتعبون كثيرا، ويحرمون من كثير من متاع الدنيا..

ولكني أثق في عدل الله ورحمته في يوم سيفصل فيه بيننا وبينهم، ويفوز التقي فقط دون أي اعتبار لشكل أو وظيفة أو مكانة اجتماعية او مادية.. أستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه..وأدعو الله أن تسامحني هده المسكينة التي لا ذنب لها فيما قدر لها من أمور.


لماذا ضاعت هيبة الأستاذ الجامعي


إذا عادت بي الأيام إلى الوراء، لكنت أدخلتها مدرسة حكومية لتتعلم، ولكنت عاملتها كإبنة وعاملة في ذات الوقت.. ولكنت جعلتها تعيش طفولتها أكثر.. ولكنت استعنت بمن يكبرها ليعيننا في شؤون البيت ..

أرجو ممن لديها طفلة أن تراعي الله، وأن تتعظ من تجارب الغير.. قد لا تدركين سيدتي ذلك وأنت صغيرة السن، ولكن حتما ستندمين اذا لم تفعلى كما كتبت.. هم أمانة عندنا وعلينا حمايتها وحفظها بما يليق أمام الخالق ثم أمام ضميرنا.

 

بسم الله الرحمن الرحيم "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" صدق الله العظيم
اخطأت يا إسعاد في حق خالقك ثم في حق الناس وأخيرا في حق نفسك وضميرك!

الجريدة الرسمية