رئيس التحرير
عصام كامل

الثقافة والسياسة


كلنا مختلفون وكلنا لدينا مناظيرنا الخاصة التي ندرك حقيقة الأمور من خلالها.. كونك لا تحمل فكرا مشابها لفكري هذا لا يجعل منك كافرا أو زنديقا أو شاذا أو حتى مختلا عقليا!! أنا أتقبل أفكارك وأحترم مقدساتك حتى لو كنت تؤمن بحجر لكن من فضلك لا ترجمني به يوما!!


دعاء البياتي
يرى عالم المستقبليات الشهير توفلين توفلر في كتابه (الموجة الثالثة) أن الأرض في السابق كانت هي مصدر القوة في مرحلة الإقطاع. وفي مرحلة الدولة تحولت القوة إلى السلطة، فمن يملك السلطة يملك القوة، أما اليوم فقد أصبحت المعرفة هي مصدر القوة، ومن يملك المعرفة يملك القوة. حيث دخلت المعرفة في تفاصيل حياتنا، وأصبحت مقومًا في كل شيء.

تكمن أهمية الثقافة العربية في زمن الثورة بكونها حقل إبداع معرفي وإنتاجا نظريا متنوعا ومتباينا كما الواقع الثوري الملموس في تنوعه وتباينه، ومن خلالها يتم تكثيف الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي معرفيا... والمثقف أيا كان موقعه الطبقي والاجتماعي فهو ملتزم بداهة بمواقف وأهداف تتحدد بما يتلاءم مع موقعه ومصالحه الطبقية والاجتماعية. وبالتالي فإن الثقافة تعبير مكثف للسياسية لكونها إنتاجا للفكر السياسي والمعرفة النظرية التي عليها تتوطد الممارسة السياسية الإستراتيجية أولًا والتكتيكية المرحلية ثانيًا.

وكان الجهاز القديم يهدف إلى تحقيق شعارات وأهداف نظرية وعلمية على حد سواء من خلال سلسلة من التدابير أهمها:
ضبط الحريات الفردية وكبحها لدرجة القمع التعسفي أحيانا، وذلك عن طريق أدوات خاصة ( شرطة، سجون، قضاء....إلخ) والعمل على توجيه التيارات الفكرية والسياسية والثقافية الكامنة في المجتمع وجهة محددة هي وجهة الجهاز السلطوي نفسه، لذا نرى السلطة تنزع باستمرار إلى التخلص من معارضيها والمناوئين لها.

خلق ثقافة سلطوية رسمية تتمثل في منهج إعلامي وتعليمي انتقائي تلفيقي، يبرز من الحقائق ما هو مفيد لترسيخ السلطة وإضعاف أعدائها، ويخفي ما هو ضار بها ومفيد لأعدائها ( تجربة حزب البعث بالعراق ونظرية العالمية الثالثة للقدافي... إلخ )

الثقافة ما بعد الثورة يجب أن تكون بداية لتاريخ جديد، مضيء، ومفعم بالسعادة البشرية. وبعيدة عن فكر الامتيازات الثقافي والتي توفرها السلطة لأصحابها وتؤجج فيهم غريزة البقاء والخلود.

السلطة الثقافية في زمن الثورة يجب أن تكون حداثية ديمقراطية ومنفتحة على كل ما إنساني بالثقافات الأخرى.

إن الثقافة بحاجة إلى السياسة للاتصال بالواقع والتفاعل معه، والسياسة بحاجة إلى الثقافة للاتصال بالمعرفة والارتباط بها.

والثقافة مقولة معرفية، والسياسة مقولة تقوم على أساس القوة، والمعرفة بحاجة إلى القوة لحمايتها وتطبيقها، والقوة بحاجة إلى المعرفة لتهذيبها وضبطها وتوجيهها، ولتحويلها إلى طاقة تساعد في حماية النظام العام، وتطبيق القانون، واحترام الحقوق، ومن أجل العمران والتقدم.

وميدان التحرير خير شاهد إبان ثورة 25 يناير بمصر. المثقفون والمبدعون كانوا على رأس حماية التراث الإنساني الفرعوني بالمتحف القومي المجاور لميدان التحرير. لن أنسى ما حييت مشهد مقاومة المخرج الكبير خالد يوسف لحرامية المتحف المصري هو ومجموعة من المبدعين والمثقفين، وكيف كانت مقاومة المبدعين لهذا التراث الإنساني من النهب والضياع، بصدورهم العارية.

وكذلك الوقفة الاحتجاجية أمام وزارة الثقافة المصرية للتعبير عن رأيهم بمصير السياسة الثقافية في زمن الثورة وكيف يجب أن ترسم بعيدًا عن التيار الديني كيفما كان نوعه.

والحقيقة أن الثقافة لا يمكن أن تكون بديلًا عن السياسة، وأن السياسة سوف تظل في حاجة إلى ثقافة. ومن الصحيح أيضًا أن السياسة بمفردها لا تستطيع معالجة مشكلات الأمم ولابد من معاضدة الثقافة.
الجريدة الرسمية