رئيس التحرير
عصام كامل

رأسمالية المحاسيب في زمن كورونا!

 لقد بدأت رأسمالية المحاسيب في الظهور داخل المجتمع المصري مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، وبعد نصر أكتوبر 1973 حين عقد الرئيس السادات العزم على تسليم مقدرات البلاد والعباد للمشروع الرأسمالي الغربي، وكانت مقولته الشهيرة أن 99 % من أوراق اللعبة في يد الأمريكان..

 

ولست أدرى إن كان في لحظتها مدركا بأن هذا الأمريكي الذي يتحدث عنه هو عدو وليس صديقا، فكيف تسلم له كل مقدرات بلادك وتصبح تابعا، لا تمتلك قرارك السياسي، وتذهب وفقا لإرادة العدو الأمريكي لمعاهدة تكبل إرادتك مع العدو الصهيوني الحليف الاستراتيجي والفتى المدلل للعدو الأمريكي، وبذلك يتراجع دور مصر على المستويين الإقليمي والدولي وتنكفئ على ذاتها، فيضيع المشروع التنموي الوطني ويتبعه المشروع القومي وتتفتت الأمة وتصبح فريسة سهلة ولقمة صائغة في فم العدو الأمريكي.

 

فمنذ أعلن السادات تخليه عن المشروع الاقتصادي الوطني الذي تبنته مصر بعد ثورة يوليو 1952 وحققت من خلاله إنجازات تنموية رائعة انعكست آثارها على الخريطة الطبقية في مصر، حيث تمكنت الطبقات الفقيرة والكادحة والمهمشة من الفلاحين والعمال من الحصول على حقوقهم المشروعة والعادلة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية التي حرمت منها في عصر الاحتلال والملكية..

 

اقرأ ايضا: المواطن بين مطرقة كورونا وسندان الفقر!

 

وبعد أن كان مجتمعنا هو مجتمع النصف في المائة من الأغنياء الذين يسيطرون على الثروة والسلطة، أصبحنا مجتمعا تبرز فيه الطبقة الوسطى من خلال الحراك الاجتماعي الصاعد للفقراء والكادحين والمهمشين بفعل سياسات تنموية تقوم بتوزيع عائد عملية التنمية على جموع المواطنين وبذلك تحققت العدالة الاجتماعية المفقودة تاريخيا في المجتمع المصري.

 

وجاء السادات وأعلن عن سياسة الانفتاح الاقتصادي وكانت بداية تجريف الاقتصاد الوطني الذي حقق العدالة الاجتماعية المفقودة، فمع إعلان سياسة الانفتاح بدأت تبرز الرأسمالية الطفيلية التي انحصرت في مجموعة من المحاسيب المقربين من الرئيس شخصيا، وبدأت عمليات الفرز الاجتماعي تعمل من جديد حيث تآكلت مكتسبات الطبقة الوسطى التي تم إفقارها بشكل متعمد حتى يعود المجتمع لما قبل ثورة يوليو 1952.

 

ورحل السادات وجاء خلفه مبارك حيث سار على خطاه واستمرت سياسة رأسمالية المحاسيب بل تطورت حيث بدأ في تنفيذ تعليمات العدو الأمريكي من خلال روشتة صندوق النقد الدولي التي تسعى للتخلص نهائيا من بقايا المشروع الاقتصادي التنموي الوطني، وأعلن الرجل عن خطة بيع ممتلكات الشعب في مزاد علني من خلال بيع القطاع العام..

 

اقرأ ايضا: الحرب على جبهات متعددة في زمن كورونا!

 

رغم أن الدستور الذي كان قد حلف على صيانته يعتبر القطاع العام حرمة لا يجوز المساس بها ولم يلتفت مبارك لهذه الجريمة التي ارتكبها إلا بعد أكثر من خمسة عشر عاما فقام في عام 2007 بتعديل الدستور والتخلص من هذه المواد التي تدينه هو ونظامه.

 

 واستمرت رأسمالية المحاسيب في التحكم والسيطرة وحدث الزواج غير الشرعي بين رأس المال والسلطة، واستمرت عمليات السرقة والنهب لبعض المحاسيب المقربين من الأسرة الحاكمة، وهو ما نتج عنه تغيير جذري في الخريطة الطبقية المصرية حيث عاد من جديد مجتمع النصف في المائة فعشية رحيل مبارك كان 41 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر إلى جانب 25% يعيشون في حزامه، وهذه الأرقام وفقا للتقارير الدولية عن الفقر في مصر، ومع استمرار رأسمالية المحاسيب تغيب العدالة الاجتماعية فالقاتل لا يهتم بجثة القتيل ولا يسعى حتى لدفنها.

 

ونتيجة لسياسة رأسمالية المحاسيب قامت أحداث 25 يناير 2011، تبعتها أحداث 30 يونيو 2013، نتيجة استمرار نفس السياسة فما قام به مرسي وإخوانه هو وضع محاسيب جدد إلى جوار محاسيب مبارك من أمثال خيرت الشاطر وحسن مالك وشركائهم، وبعد 30 يونيو اختفى محاسيب الإخوان من المشهد تماما وعاد محاسيب مبارك لينفردوا بالمشهد من جديد.

 

اقرأ ايضا: العالم قبل وبعد كورونا.. والسيناريوهات المتوقعة!!

 

 وحين جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي حاول جاهدا تحجيم دور رأسمالية المحاسيب وإعادة بناء الاقتصاد الوطني عبر مجموعة ضخمة من المشروعات القومية، هذا إلى جانب محاولة استعادة دور مصر على المستويين الإقليمي والدولي في ظروف صعبة للغاية فالمؤامرات التي أشعلت النيران داخل غالبية المجتمعات العربية لازالت مستمرة وتهدد الأمن القومي المصري والعربي، وتحاول مصر بكل هدوء وحكمة إطفاء هذه النيران المشتعلة.

 

لكن للأسف الشديد داهمتنا جائحة كورونا وخلالها ظهر الوجه القبيح لرأسمالية المحاسيب، الذين كونوا ثرواتهم عبر عمليات السمسرة والسرقة والنهب، حيث رفضوا الوقوف إلى جانب الدولة والشعب، لذلك لابد أن تجد الدولة صيغة لإجبار هؤلاء المحاسيب على تلبية الاحتياجات العامة وقت الخطر، فلسنا أقل من الولايات المتحدة الأمريكية النموذج الأعلى للرأسمالية العالمية..

 

وليكن تشريع يصدر فوراً لوضع هذه الأموال المشبوهة تحت تصرف الدولة، لتتمكن من القيام بمسئوليتها الاجتماعية كاملة تجاه مواطنيها في هذه الأزمة الطاحنة، التي تضع الغالبية العظمى من المصريين الذين يعيشون يوما بيوم أمام خيارين إما الموت بكورونا أو الموت جوعاً اللهم بلغت اللهم فاشهد.   

 

الجريدة الرسمية