رئيس التحرير
عصام كامل

مناعة القطيع إفلاس علمي

الحكاية إن تطور علم المناعة والتحصينات بدأ عن طريق الطب البيطري ثم انتقل إلى الطب البشري، ولهذا خرج مصطلح «مناعة القطيع». وسبب هذا المصطلح «مناعة القطيع» هو أن اهتمام وتركيز الطب البشري هو الأفراد لا الجماعات، ولكن الطب البيطري على النقيض  يهتم بصحة وسلامة القطيع (المجتمع) الذي يرعاه، ولهذا فقد انتشر هذا المصطلح، وظهر الآن.

 

خاصة وأن المجتمع العلمي والطبي يعلمون بأن إمكانية تحضير لقاح فعال لفيروس كورونا المستجد سؤال مبكر لا يستطيع أحد الإجابة عنه، بمعنى أن مرض الالتهاب الكبدي استمرت المحاولات لتحضير لقاح له ما يقرب من 30 عاما، وفي النهاية لم يستطع العلماء التوصل لأي لقاح، بل إن البشرية لم تستطع التخلص تماما من أي فيروس إلا الجدري فقط.

 

أما فيروس شلل الأطفال فلم يختف حتى هذه اللحظة في بعض البلدان، بالرغم من التطعيمات المكثفة لأكثر من 50 عاما، علما بأن اندثار الفيروس يأتي ببذل مجهودات صعبة وطويلة أو بإرادة الله.

 

اقرأ أيضا: مقتل الثلث ليعيش الثلثين

 

ومن المعلوم الآن أن ظهور أي فيروس في الطبيعة يكون بشراسة وقوة؛ ليستطيع البقاء في الطبيعة، ثم يبدأ في التكيف مع الجسم البشري وتبدأ الحالات المرضية في الظهور بصورة أقل ضراوة وخطورة. وتحدث عملية التطور على مدار سنوات، وأنه ومن هنا راح البعض يبشر بمناعة القطيع كنوع من إعلان الإفلاس البشري والعلمي في مواجهة فيروس ميت.

 

وتستند استراتيجية «مناعة القطيع» ببساطة إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، وبالتالي تتعرف أجهزتهم المناعية على الفيروس، ومن ثم تحاربه إذا ما حاول مهاجمتها مجددا..

 

لهذا فإن «مناعة القطيع» مع الفترة القادمة تستطيع تقليل وتحجيم انتشار فيروس كورونا، ولكن على حساب فقدان أرواح والمجازفة بأفراد المجتمع، خاصة مع تفشي الفيروس بأعداد كبيرة جدا في وقت قصير يصعب التعامل معها، لذا فإن فكرة «مناعة القطيع» هي فكرةٌ بشعة وغير أخلاقية. فهي تعني ببساطة البقاء للأقوى، أو بمعنى أدق صاحب المناعة الأقوى، والأمراض الأقل والأصغر سناً.

 

اقرأ أيضا: الخيار المصري المر

 

وهي تعني أيضاً أن نضحي بالآباء والأجداد من أجل وهم الحفاظ على الاقتصاد. وقد طبقتها بريطانيا وفشلت وفعلتها السويد أيضا.

 

ويرى معظم العلماء حالياً أن الاعتماد على «مناعة القطيع» دون تطوير لقاح ليس وسيلة ناجحة لحماية المجتمع. ويؤكد الخبراء أن «مناعة القطيع» يمكن أن تحدث مع الأمراض الأخرى مثل جدري الماء، حيث يموت شخص من بين 60 ألف مصاب، بينما تنخفض فعاليتها في الأمراض التي تسجل فيها وفاة واحدة بين كل 100 إصابة..

 

أما الأطباء والعلماء فيؤكدون أنها فى حالة كورونا مناعة مشكوك فيها نظرا لإمكانية تحور الفيروس.. إذ يستطيع تغيير جلده والضرب مرة أخرى وبالتالي لا تستطيع الأجسام المضادة التى سجلت هيئته فى المرة الأولى التعرف عليه..

 

وفي كل الأحوال فإن حفظ النفس من مقاصد الشرع، وهي من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها..

 

اقرأ أيضا: الوصايا العشر لمواجهة سد النهضة

 

فحفظ نفس الإنسان يأتي في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين، فلا يجوز تعريض النفس للهلاك، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: الآية 29) . ثم إن الأنفس متساوية في الحفظ، ولا فرق بين معافى ومريض، ولا بين كبير وصغير، ولا بين سليم ولا معاق.

 

لذا جعل الإسلام حفظ النفس مقصودا لذاته بغض النظر عن حالة النفس، فهو ثابت لكل نفسٍ بدون وصف زائد، قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة الآية 32).

 

وفي مسألة الأحق بالعلاج عند التزاحم، لا يقر الإسلام تقديم الصغير على الكبير بحال من الأحوال، فالسن ليس مؤثرا في حفظ النفس، نظرا لتساوي حرمة الأنفس شرعاً. لذلك يرفض الإسلام ما يسمى ب«مناعة القطيع» أو الجمهور، والذي يدعو لترك انتشار المرض أولا والذي سيهلك به الذين يستحقون الهلاك من كبار سن، ومن الذين تعددت أمراضهم، لأن في ذلك تقاعسا عن المعالجة المطلوبة.

الجريدة الرسمية