رئيس التحرير
عصام كامل

ضحى عاصي: رواية "غيوم فرنسية" تعبر بوابة الزمن وتطرح أسئلة عن طغيان الحكم العثماني وقبضة المماليك وإرهاصات الهوية المصرية | حوار

الروائية ضحى عاصي
الروائية ضحى عاصي

 المعلم يعقوب البعض اعتبره خائنا للوطن لكنه نموذج أفرزته ظروف اجتماعية وسياسية ودينية وله ما له وعليه ما عليه 

فى روايتى لم أخض في تفاصيل جدلية لا تخدم النص الأدبي ولكنى اهتممت بالحالة الإنسانية للشخصيات 

الروائية ضحى عاصي من الأقلام الإبداعية ذات البصمة المتفردة، فروايتها الأخيرة «غيوم فرنسية» التي طرحت فيها سؤال الهوية وبداية إرهاصات الوطنية المصرية، كشفت عن موهبة لا شبيه لها في المشهد الثقافى المصري، فكعادتها تدفع القارئ بطريقة أو بأخرى للبحث في مصائر وشخصيات أعمالها الأدبية.

وفى السطور التالية تحدثت «فيتو» مع «ضحى» عن روايتها الأخيرة والكتابة ، وأمور أخرى وكان الحوار التالى: 

*في ظل الظرف الاستثنائى الذي نعيشه وأزمة فيروس كورونا التي أثرت على العالم.. من وجهة نظرك كيف سينعكس هذا على كتابات الأدباء؟

بكل صراحة لا أحد يمكنه توقع حدود أزمة كورونا الحقيقية حتى الآن وأين ستصل بنا، وكيف سيكون حجم تأثيرها على الثقافة والفن، لأنها تجارب ومشاعر عن فترة تختلف انطباعاتها من شخص لآخر، فالمسألة أصعب من مجرد توقع ذلك، وبصفة عامة الأوبئة كالحروب والثورات لأنها مرتبطة بالإنسان وتعد مادة دسمة للكتابة والإبداع.

لكن ما توقعناه من حجم الكتابات التي ستخرج عن ثورة 25 يناير 2011 بكل ما عشناه من هتافات وتفجيرات ودماء الشهداء وتغيير حكومات لم يكن كبيرا، لكن المؤكد أن الثورة تركت آثارا في وجدان الناس وربما الجيل الأصغر سنا من الكتاب سيعبرون عنها وتعكس نصوصهم الأدبية ذلك بصورة أوضح لأنها رسخت في أذهانهم بشكل مختلف عن جيلى من الكتاب الذين عاشوها كإحدى تجارب الحياة، وفى وجهة نظرى ستعكس النصوص الأدبية أزمة كورونا ولكن ليس بالشكل الذي يتخيله الناس بـ «كتابات كورونا».

*كتبتِ الرواية الاجتماعية والتاريخية.. فهل يمكن أن تكتبي الخيال العلمى؟

لا.. لأن من يكتب خيالا علميا لابد وأن يكون لديه معرفة بالعلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وأيضا علوم الفلك حتى يستطيع بناء فرضيات يسير وفق نهجها ويطور أحداث النص الأدبى. 

*في روايتك الأخيرة «غيوم فرنسية».. هل كنتِ ترغبين في إعادة كتابة التاريخ أم طرح وجهة نظر مختلفة عن حياة المصريين بكل ما تحمل وقت الحملة الفرنسية؟

  لم أعد صياغة التاريخ ، فما حدث قد حدث بالفعل، لكن غيوم فرنسية رواية تتكئ على حدث تاريخى حقيقى وهو انضمام جماعة من المصريين إلى الفرقة التي كونها المعلم يعقوب الذي أثار جدلا كبيرا بين المؤرخين، فمنهم من اعتبره خائنا للوطن ومتعاونا مع الفرنسيين، بسبب خروجه هو وعدد من جماعته مع الحملة إلى فرنسا، وأثناء كتابتى للرواية، حاولت أن أعبر بوابة الزمن وأعود للماضى وأعيش مع شخصيات روايتى حياتهم بكل مفرداتها.

فبدأت الشخصيات - مسلمون وأقباط - تطرح أسئلتها بداية من البحث عن الحرية والتخلص من طغيان الحكم العثمانى وقبضة المماليك إلى سؤال الهوية وظهور إرهاصات فكرة الوطنية المصرية المستقلة، فالخيال أعطانى مساحات أرحب لطرح قضايا اجتماعية وأحلام وآمال وآلام وأزمات قد مرت بها شخصيات الرواية قبل وبعد خروجهم من مصر إلى فرنسا في 1801. 

*تطرقت في«غيوم فرنسية» إلى شخصية المعلم يعقوب المثيرة للجدل..ألم تخشين من حملة الانتقادات التي ستواجهيها قبل نشر الرواية؟

قالت ضاحكة : «أنا مش داخلة خناقة مع وجهات النظر الأخرى» فتصورى عن الكتابة أنها ليست «خناقة» بين مؤيد ومعارض، وكل ما أحاول عمله من خلال نصوصى الأدبية هي طرح وجهة نظر خاصة بشخصيات النص ليست مبنية على أحكام ودوافع مسبقة، لكن في الحقيقة أكثر ما أقلقنى هو ردود أفعال بعض الأصدقاء عندما بدأت أكتب عن المعلم يعقوب فبدأوا يستغربون بأنى كيف لا أخاف من تناوله ؟!.

ففى النهاية أنا لست المعلم يعقوب وهذا الرجل لا يتعدى كونه نموذجا أفرزته ظروف اجتماعية وسياسية ودينية في ذلك الوقت، له ما له وعليه ما عليه، وفى الرواية لم أخض في تفاصيل جدلية لا تخدم النص الأدبي، ولكنى اهتممت بالحالة الإنسانية للشخصيات وبمفردات حياتهم وأحلامهم ومصائرهم واختياراتهم في المقام الأول. 

*بخلاف نابليون بونابرت والمعلم يعقوب.. هل تضمنت الرواية شخصيات حقيقية أخرى وماذا عن الحبكة الدرامية؟

جميع شخصيات وأحداث الرواية متخيلة، فالمصادر المتاحة عن المجموعة التي هاجرت مع المعلم يعقوب نادرة للغاية، أما الحبكة الدرامية بُنيت على منطق تخيل الأحداث والمبنى على الدراية بتلك الحقبة الزمنية، فقد قرأت كتبا كثيرة لم تشتبك مع شخصيات الرواية، لكن كان الهدف منها أن أعيش في هذا الزمان وهذه الأماكن.

*عشت فترة دراستك الجامعية في روسيا.. حدثينا عن ذكرياتك خلال شهر رمضان هناك؟

الطقوس الرمضانية حالة مصرية خالصة جدا، فبالنسبة للصوم كل المسلمين يصومون شهر رمضان، لكن الطقس الرمضانى حالة صنعتها الثقافة المصرية على مدار سنوات وسنوات، وهذا ما نفتقده عندما نعيش في دولة أخرى لا سيما وإذا كانت الأغلبية فيها غير مسلمة، فالمناخ العام يكون محكوما بأداء فريضة الصيام وطقوس العبادة الدينية، أو أن نحتفل مع مجموعة صغيرة من الجالية المسلمة سواء من العرب أو الروس.

وكنت أحاول إضفاء البهجة وتفاصيل الاحتفال المصرية بالشهر الكريم سواء بإعداد بعض الأكلات المصرية أو الحلويات كقمر الدين والخشاف، وكان أصدقائى الروس يحرصون دائما على مشاركتنا الاحتفال بشهر رمضان.

*هل هناك موقف غريب تعرضت له أثناء الاحتفال بشهر رمضان في روسيا؟

الشعب الروسى من أكثر شعوب العالم التي تحترم الديانات الأخرى وشعائرها، لكن كان هناك مواقف مضحكة تحدث دائما بينى وبينهم، فأصدقائى الروس كانوا حريصين على مشاركتى الاحتفال بشهر رمضان ويعيدون علينا بـ " عيد رمضان " فيفهمون بأنه العيد عند المسلمين.

*أنت ابنة الشيخ مصطفى عاصى وهو رجل أزهري.. فهل كان والدك متشددًا في بيته وفى تربية أبنائه؟

كان طول الوقت يوجهنا، فأبى رحمه الله عليه قام بتربيتنا بطريقة دينية جدا لكن غير متشددة، فمفردات الحياة نفسها كانت دينية، وأتذكر عندما كنت صغيرة وكان يحدث بينى وبين صديقاتى في المدرسة مشكلة وكنت أذهب إليه وأنا غاضبة من إحداهن فكان يقول لي «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس».

وهنا كانت التعاليم الدينية في حياتنا دون أن يشعرنا بأن كلامه معنا وعظ ديني، وكان يحرص دائما على أن يفهمنا بأن كل شخص مسئول عن نفسه أمام الله ولا أحد يحاسب مكان الآخر عن أعماله التي يفعلها في الدنيا، فلم يجبرنا على أداء فرائض العبادة بالأمر بل بالحب وكان يتبع الآية الكريمة من سورة الأعلى « فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى».

*هل كانت تقام أية لقاءات دينية في بيت العائلة بالمنصورة أيام رمضان؟

لم نقم ذلك، لكن والدى لم يكن شيخا عاديا، بل كان شيخا مستنيرا وكان أهالي القرية يأتون إلى بيتنا ليس فقط في شهر رمضان وإنما طوال أيام السنة، ليستشيروه في مسائل دينية كثيرة، وكان دائما يؤكد أن الدين الإسلامى دين يخاطب العقل فأول آيه نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم «إقرأ» وكان يحب جدا الآية القرآنية في سورة الرعد «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ».  

*شهر رمضان الذى انتهى دائما له سحر خاص وطقوس مميزة.. فماذا تفعل ضحى عاصى في هذا الشهر الذي جاء متزامنًا مع أزمة انتشار فيروس كورونا؟

منذ عدة سنوات وأنا لم أعد أذهب أو أجهز لعزومات رمضان بشكل كبير، وهذا لأسباب أخرى غير ظهور كورونا، لأن أسرتى كلها لا زالت تعيش في المنصورة وأنا أعيش في القاهرة، وبعد وفاة والدتى لم أعد أسافر إلى هناك وأقضي أيام رمضان بينهم.

وبشكل عام شهر رمضان بالنسبة إليً من أفضل الأشهر التي أستطيع أن أكتب فيها أعمالا أدبية جديدة، فالشهر يعطينى طاقات روحانية وإيجابية كبيرة أنجز من خلالها مشروعاتى المتوقفة، ولا أتخيل شهر رمضان دون «الفانوس» أحرص كل عام على شراء واحد وأضعه في البيت. 

*أخيرا.. هل تابعت دراما رمضان، وما هي الأعمال التي لفتت انتباهك ولماذا؟

بالطبع تابعت بعض الأعمال الفنية، وخصوصا مسلسل «الاختيار» وذلك لأن الرواية التي أعمل عليها الآن تتناول جماعة الإسلام السياسي فكان من الضرورى أن أشاهد المسلسل لأعرف طريقة معالجة الدراما لقضية الإرهاب، كما شاهدت مسلسل « 100 وش» لأن أحداثه تدور في إطار اجتماعى كوميدى غير مبتذل.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية