رئيس التحرير
عصام كامل

محمد محروس يكتب: اللعنة

محمد محروس
محمد محروس

وكأن التاريخ قد لعننا بالوقوع فى أخطاء سبق أن رأيناها مراراً وتكراراً.. ورأينا ثمار الوقوع فيها وكأن التاريخ يفوقنا مكراً ودهاءً.. فكيف نسقط في نفس الحفرة.

وقد رأينا من سبقونا يسقطون فيها ليل نهار ومهما بذلوا أملاً فى الخروج عاندهم التوفيق فهم لم يكونوا جادين بالقدر الكافي فى تجنبها كي يكونوا جادين فى الخروج.

كيف لأخطاء الماضي لمن سبقونا أن تغزونا وتسقطنا أرضا واحداً تلو الآخر؟!، أين كانت عقولنا؟! وكيف مضينا فى نفس الطريق وتعثرنا فى نفس العثرات؟! هل أصابنا العمى؟! أم أدمنَّا التعثر والسقوط؟!

تربينا صغاراً نُحب الألفة والترابط ثم أصابتنا الفُرقة والتشتت ومزقوا فينا كل الأماني والمعاني التى لطالما جمعتنا وألَّفت بين قلوبنا ولم يكن طريق الفرقة بجديدٍ علينا؛ فقد رأينا أسلافنا يعبرون نفس الطريق ويجنون ثمار الفرقة والتمزق.. ولقد تعاهدنا على الوصل والوصال وما لبثنا أن أدرنا ظهورنا لبعضنا البعض إلا وقد توجهنا جميعاً إلى ذلك الطريق الملعون يتلهفنا شوق زائف نحو ذلك الضوء فى نهاية الطريق ظناً منا أنه نور سيدفئنا وإن كنا في قرارة أنفسنا ندرك جيداً أنها نار ستحرقنا.

أما آن الأوان أن نرتد عن ذلك التشرذم القبيح الذى يعمينا ويقذف بنا إلى طريق الهلاك؟!.. ألم يحن الوقت أن نسترد ذاكرتنا ونستعيد ذكرياتنا من مبادئ وأسس تربينا عليها أملاً فى أن تعيدنا إلى طريق الصواب؟!.. طريق يجمعنا لايفرقنا لا نتوه فيه ولا نضل، متمسكين بحبل الله ونوره.

إلى كل أرباب الأسر؛ ابنوا قصوراً فى عقول أبنائكم أساسها العلم والأدب ولاتبنوا لهم بيوتاً أساسها المال والذهب، فكم رأينا حولنا من آباء قد توارث عنهم أبناؤهم ثروات بددتهم قبل أن يبددوها ورأينا أيضا من توارثوا نور العلم وجمال الأدب، فارتقوا وصنعوا مجدهم وكانوا قادة للأمم.

كفاكم جميعاً تشتتاً وفُرقة واعلموا جيداً أنكم أول من ستجنون ثمار ماتزرعون؛ فلا تأمروا بما لا تفعلون.. فكيف نطلب من أبنائنا أن يَبِرُّونا وقد تصحرت قلوبنا وصارت أشد قسوة من الحجارة على آبائنا وأمهاتنا. وإننا إذ قسونا وتجبرنا على من ربونا وأحبونا فكيف ننتظر من أبنائنا أن يَبِرُّونا؟! فكيف نطلب العدل ونحن لا ننشره ونحن أنفسنا ظالمون؟! وكيف نأمرهم أن يفعلوا عكس ما يرونه فينا؟! فأبناؤكم مرايا لكم وأنتم إذ هجرتم قلوب آبائكم وأمهاتكم فلا تنتظروا أن يفتح لكم أبناؤكم أبواب قلوبهم فلا خير لمن لا خير فيه.. وإنكم إن أردتم الخير لأبنائكم فعليكم أولاً أن تبرًّوا آباءكم ثم تبرًّوا أبناءكم فتبرُّوا آباءكم عطفاً وإحساناً.. إحقاقاً للحق وليس تَفَضُلاً منكم، أما أبناؤكم فبروهم بالحب والمشاركة فصلوا معهم واقرأوا لهم و اسمعوا منهم و لا تأمروهم فيكلوا و يملوا، بل شاركوهم وأشركوهم فيسعدوا ويهنأوا، وكفاكم انشغالاً عنهم بصغائر الأمور.. فاليوم تنشغلون عنهم وغدا ينشغلون عنكم.. فأولادكم أولى بكم وبأوقاتكم.. فاستثمروا فيهم قبل أن تستثمروا لهم وانظروا حولكم جيداً ولاتكرروا أخطاء الماضي؛ فالتاريخ لا ينسى والتاريخ شاهد عليكم.

وإن كنا جميعاً نتهم التاريخ بأنه قد أصابنا بلعنة التكرار وبأن نكرر أخطاء الماضي؛ فحقيقة الأمر أننا أخطر لعنة على أنفسنا وإننا من لعنَّا أنفسنا وأدمنا الفشل.

الجريدة الرسمية