رئيس التحرير
عصام كامل

عبلة الكحلاوي: «كورونا» رسالة من الله ليكف العالم عن التكبر والبطش.. ويجب فتح نقاش حول «ابن تيمية» حتى لا تتحول أقواله لقرآن وسنة ( حوار )

عبلة الكحلاوي
عبلة الكحلاوي

ارتفاع نسبة الطلاق بين الأسر سببه أن «الأزواج مش بيتجوزوا صح الأيام دى»

  المصري فطر على ثلاثية «الدين والجيش والنيل»

بأسلوبها السهل وبلغته البسيطة وطلتها الحنونة التي تميزت بها، استطاعت الداعية الإسلامية الدكتورة عبلة الكحلاوي، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بجامعة الأزهر، أن تحتل مكانة خاصة لدى قلوب المصريين جميعًا.

 

وحققت نجاحًا كبيرا في مجال الدعوة الإسلامية على مدار الأعوام الماضية من خلال تقديمها العديد من البرامج الدينية التي تعمل في المقام الأول على وضع قواعد العيش المشترك بين الزوج والزوجة والتي تعين الأسر المصرية على الاستمرار في الحياة الزوجية التي يكون أساسها الود والرحمة والعدل بين جميع أفراد الأسرة.

«فيتو» بدورها التقت الدكتورة عبلة الكحلاوي، وتحدثت معها عن أبرز مظاهر التفكك الأسرى التي يشهدها المجتمع المصري حاليا بين أفراد الأسرة، بالإضافة إلى نقاش حول أبرز القضايا المطروحة حاليا على الساحة ومنها فيروس كورونا والجدل المثار حول ابن تيمية وتجديد الخطاب الديني وأسباب كثرة الطلاق بين الأزواج وغيرها من مستجدات الأمور.. وكان الحوار التالي: 

*بداية.. كيف رأيت رمضان هذا العام في ظل الإجراءات الحالية؟

الحقيقة أنه تتبقى سويعات قليلة على رحيل الشهر الكريم حيث عشنا أوقاتا صعبة ما بين ترقب وخوف في ظل إغلاق المساجد والكعبة المشرفة والمسجد النبوى وغيرها من الأشياء التي حدثت، ومن المفترض أننا في هذا الشهر الكريم نكون اجتهدنا على غير العادة حتى نتقرب من الله.

*كيف يمكن استغلال الساعات المتبقية من الشهر الكريم؟

من المفترض أن تكون عبادتنا خلال شهر رمضان الكريم مختلفة عن أي وقت آخر ونتقرب إلى الله برعاية أهل الحوائج ونفكر في الأسر الأكثر احتياجًا، ويجب أن ندرك هنا أنه هناك من فقد عزيزا عليه أو حرم من نعمة ما، ولهذا يجب أن نقول دائما «الحمد لله» على نعمة الأمن والأمان، فرغم كل شيء لا نزال نعيش في وطننا، كما يجب أن نحمد الله على نعمة التعود على الصيام والطاعة، ويجب أن نتوجه إلى الله في أوقات إجابة الدعاء مثل أوقات الإفطار والسحور وندعى ربنا أنه يرفع عنا هذا البلاء.

*بالحديث عن «رفع البلاء».. هل تتفقين مع من يشير إلى أن فيروس «كورونا» ابتلاء من الله تعالى لعباده؟

من المؤكد أنه عندما يبتلى الله أحدا من خلقه بمرض معين فهذا لا يعني أنه انتقام من الله، ويجب ألا ننسى الطاعون والدرن والكوليرا والإنفلونزا الإسبانية، فالمولى عز وجل كل فترة يريد أن يجعلنا نرى سننه في كونه من فيضانات أو زلازل وسنن الله تكون رسائل من الله لها معان عامة وخاصة حتى يعيد كل منا حساباته من جديد، برسالة إلى العالم أن يكفوا عن التكبر والبطش ويعودوا إلى القيم الإنسانية، وللآسف لا أحد يفكر في القيم الإنسانية وآن الأون للعالم أن يعود إلى المولى عز وجل.

*برأيك.. ما أبرز الرسائل التي علينا فهمها من فيروس كورونا؟

يجب أن ندرك أننا في ابتلاء شديد ويجب أن على كل فرد أن يتدبر حاله، بالإضافة إلى أننا نؤمن بما جاء في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الذي قال فيه «ما انزل الله من داء إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله» بالحديث دعوة صريحة إلى البحث عن العلاج وهو ما تقوم به كافة دول العالم في الوقت الحالي.

*هناك من يقول أيضا إن الإصابة بفيروس كورونا عقاب من الله لعبده.. ما حقيقة هذا؟

كذب من قال كذلك، وإنما ابتلاك ببلاء واختبار دنيوي من أجل المقام في الآخرة، فيجب عليك الصبر وتحمل الألم ثم الأخذ بالأسباب ثم الثقة واليقين أن الشافي هو الله، وهو الذي قال في كتابه " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" وحديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه".

*على الجانب الآخر هناك من يرى أن فيروس كورونا مؤامرة وصنيعة البشر.. تعقيبك؟

من الوارد أن يكون هكذا، وهناك من يقول أنه نتاج العبث بالجينات والخلايا، لكننا لا نعرف أين الحقيقة، والأمور التي ليس لها تفسير إلا عند الله تجعلنا ننظر بعين اعتبار لما يحدث حولنا، ولهذا أقول أنه علينا جميعًا أن نأخذ بالأسباب وهو ما حدث في عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- والحجر الصحى من أهم الوسائل التي تمنع انتشار الفيروس، والتي أخبر عنه النبي-صلى الله عليه وسلم عند حديثه عن الطاعون، ويجب أن نتضامن جميعًا حتى ينتهى هذا الابتلاء.

*ما أبرز الدروس المستفادة من المحنة التي نمر بها حاليا؟

تعلمنا دروسا كثيرة جدًا من هذا الوضع، فالدنيا تغيرت من حال إلى حال وأدركنا نعمة الوطن ونعمة القيادة الرشيدة وأن أحلام الشباب بالهجرة تحطمت على عتبة كورونا، فلن تعد أمريكا أو فرنسا أو الصين هي حلم الشباب الهجرة، كما تعلمنا أنه «فيروس لا يرى بالعين المجردة حبس الدنيا كلها»، كما أننا للأسف حرمنا من المساجد وزيارة الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم-، وكان هناك جانب مشرق في الأزمة والذي يتمثل في أن الأسر تعرفت على بعضها فكثير جدًا من الآباء لم يكونوا على دراية بأمور أولادهم، وتعلمنا أن نتقرب إلى الله بحق، وأن إرادة ربنا فوق كل إرادة.

*هل تؤيدين دعوات الخروج إلى صلاة العيد في ظل الظروف الراهنة؟

 لا بد أن أن نعلم أن صلاة العيد سنة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولا بد أن نعمل بالقاعدة الفقهية «لا ضرر ولا ضرار» فإذا كان الخروج إلى صلاة العيد سيؤدى إلى إلحاق الضرر بالآخرين فيجب أن نوقف هذا ونصلي في بيوتنا، أو في فناء البيت إذا كنا أسرة صغيرة، والأهم الالتزام بالقواعد الصحية الموضوعة.

*شهدت الأيام الأخيرة عودة الجدل مؤخرًا هو شخصية الإمام «ابن تيمية».. كيف ترين هذا الأمر؟

بالنسبة لـ«ابن تيمية» فهو له ما له وعليه ماعليه، لكن لا بد من فتح النقاش حول المسألة حتى لا تتحول أقواله إلى قرآن وسنة يتخذه البعض وهذه مصيبة كبرى حيث يعتمد عليها البعض في هذه الفترة.

ما رأيك في الحالة التي صنعها مسلسل الاختيار في الشارع المصري؟

«الاختيار» تجسيد طبيعي وحقيقي للواقع، ولأول مرة يمتزج الواقع بالقصة والحكاية والتي تحظى بإعجاب المتلقى، وأتمنى يكون هناك مليون مسلسل على غرار «الاختيار» ومن جانبى أتمنى تقديم عمل أجمع فيه قصص أبطال الوطن، لأننى بحكم وجودى مع أسر الشهداء فإننى استمع منهم إلى قصص كثيرة غاية في الروعة والإحساس، وبشكل عام يمكن القول إن المسلسل نقلة جديدة أتمنى من الإعلام التركيز عليها لأن الجمهور المصرى من حقه أن يتعرف على أبطال وطنه وقصصهم. 

*حدثينا أكثر عن صرح «الباقيات الصالحات» وأبرز الخدمات التي يقدمها للمجتمع؟

«الباقيات الصالحات» حلم حياتى الذي تحقق بالشراكة مع زوجى الراحل الذي أكرمنى به الله حيث كانت بيننا مودة ورحمة وتوافق في عمل الخير، وكنا نرغب في عمل مشروع يظل قائما فقررنا تنفيذ فكرة «الباقيات الصالحات» واتفقنا على كل الأمور وكنا وقتها في مكة المكرمة. 

*على ذكرك زوجك بالخير دائما.. كيف ترين الوضع الحالي في الأسرة المصرية خاصة بين الشباب؟

 للاسف أرى أنه لا يوجد أحد لدية رؤية واضحة وأصبحنا نتعامل مع الحياة الزوجية وكأننا نضغط على زر معين لطلب معين، وأذكر هنا أننى بعد زواجى انتقلت إلى بيته وقررت العيش هناك حسب ظروفه هو وكنت أحرص دائما على عدم إحراجه أمام أسرتى.

*بما تفسرين ارتفاع نسبة الطلاق بين الأزواج في الفترة الأخيرة؟

لأنهم «متجوزش صح»، فالرجل يضع مواصفات غربية في الزوجة التي يريدها، وفى المقابل هناك فتيات تقبلن بالزواج لمجرد الخوف من مرور السنوات وضياع فرصة الزواج، ولهذا أنصح الجميع بالأخذ بما قاله لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن نبحث عن «الدين» والالتزام في الطرف الذي سنرتبط به. 

*كيف ترين الجهود التي يقوم بها الأزهر الشريف في الفترة الأخيرة؟

الأزهر صرح عظيم جدًا، أشرف أننى كنت في وقت منتمية لهذا الصرح، لكننى أرى أنه رغم هذه الجهودة الكبيرة، فإنه في حاجة لتفعيل هذا الدور أكثر ألف مرة، فالأزهر دائما له دور الريادة، ورأينا كيف تمت عملية التحول السلس من المذهب الشيعي إلى السنى في الأزهر، وأتمنى من الأزهر أن يكون له حضور أكثر، لأنه طالما هناك فراغ بالقطع هناك من سيريد أن يشغله. 

*ما موقفك من الدعوات المتكررة لتجديد الخطاب الديني؟

لا بد من التأكيد أن التجديد ليس معناه التغيير، وإنما التجديد يكون من خلال الواقع ومن خلال المقاصد الشرعية والقواعد الكلية، والمقاصد الشرعية تعني المصلحة، لأن الأحكام تدور مع المصالح وجودًا وعدمًا، وأرى في هذا الإطار أيضا أنه لا بد من أن يكون هناك وجود أكثر للأزهر، فعندما كان موجودًا بالقوة المطلوبة لم يكن هناك مايسمى سلفى أو إخوانى.

وأرى أيضا أنه من الواجب أن يبدأ الأزهر الشريف في إنشاء ما يشبه المجالس العملية في كل محافظة أو مدينة تكون مهمتها توضيح الأمور للمواطنين، وإلى جانب ما سبق يجب أن يتغير الخطاب الإعلامي، لأننا للأسف أصبحنا نعمل في جزر منعزلة وكل طرف يتهم الطرف الآخر بالعمالة.

*إلى أى مدى تتفقين مع مقولة «الشعب المصري متدين بطبعه»؟

الشعب المصري متدين بطبعه ومازال متدينا، والمصرى متدين بفطرته، لكن هندسة التواصل لها دور كبير، والمصري فطر على ثلاث أشياء مهمة بالنسبة له (الدين، الجيش، والنيل)، وإن كنت أرى أن هذه الثلاثية تتعرض لموجات تفكك في وقتنا الحالى. 

*أخيرًا ما رسالتك إلى الشباب وإلى الشعب المصري؟

«اتقوا الله، في مصر وحافظوا عليها، أنتم دعائم الغد وأنتم المستقبل».

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية