رئيس التحرير
عصام كامل

منحة كورونا الاقتصادية لمصر

تفاجأت الاقتصاديات الغربية بما فيها الولايات المتحدة بأن مواجهة الكورونا لا بد أن تتم بأدوات لم تعد تصنعها بنفسها.. لأنها اعتبرت أن الصناعات التحويلية هي شيء من اقتصادات الماضي ومكانها الصين والدول النامية الأخرى.

 

لهذا رأينا الدول الغربية في أضعف موقف لأنها لا تصنع أدوات الحرب على الكورونا، بل تحتاج للتعاقد عليها من الدول التي تصنعها.

وتلك أحد الدروس المستفادة من تلك الأزمة الصحية وهي دعوة للدولة المصرية للاستفادة مما جرى وتستعد بتعظيم القطاعات الإنتاجية الوطنية وتوظيف طاقتها البشرية الضخمة في الصناعة بكل أنواعها..

 

السيئة تعم للعالقين قسرا

 

صناعة حقيقية وليس مجرد تجميع لمكون خارجي واهتمام جاد بتوسيع مساحات الزراعة أفقيا ورأسيا، والمهم هو الإبداع في ابتكارات تحتاجها البشرية بشدة مهما كانت صغيرة مثل “الماسكات” أو الكمامات التي باتت أهم من أي منتج آخر.

 

والأمراض كذلك فإن هناك فرصة مثلًا لابتكار أجهزة تحليل صغيرة لاكتشاف الفيروسات تشبة أجهزة تحليل السكر أو أجهزة صغيرة للتنفس الصناعي تكون في مقدور أي إنسان شرائها وربما تبدو المسألة صعبة ولكن من ابتكر الأجهزة المعقدة كبيرة الحجم قادر على تطويرها مثلما حدث من تطور مع أجهزة الراديو والكومبيوتر.

 

فلا بد أن نكون جزءا من العالم الجديد لأن العالم كله أمام اختبار حقيقي بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وأظن أن الدول والشعوب التي ستتخطى هذه الجائحة وبسرعة ليست الدول الأكثر تطورا ولا الأكثر مالا.. بل الأكثر تماسكا وتوحدا بين افرادها ومكونات مجمتعها. والأكثر قدرة على الإبداع في معرفة الاحتياجات الحقيقية للبشر والحياة اليومية.

 

الخيار المصري المر

 

انتهى عصر العولمة بلا رجعة وبفشل ذريع.. وسيبدأ عصر الدولة والاعتماد على ذاتها ومواردها.. وأن لم يكن في المقام الأول التنمية البشرية؛ سنسقط إلى الهاوية وعادة ما يقول كل سياسي ألماني في وصية الوداع عندما يقرر التقاعد إن ثروة ألمانيا توجد في عقول أبنائه، ولهذا آن الأوان أن نعتمد علي بناء القوي البشرية صحيا وتعليمًا و تدريبًا أكثر من رسم سياستنا بناء علي دخل السياحة أو قناة السويس او تحويلات العاملين المصريين من الخارج أو الغاز والبترول.

 

لأن القوى البشرية السليمة هي أساس نهضة ألمانيا بعد الحربين ونهضة سويسرا واليابان والصين وأي دولة نهضت اقتصاديا.. وآن الأوان لنقلل من أهمية مصادر الدخل بالاعتماد علي العالم الخارجي لأنها غير مستقرة وعرضة للتقلب مع أي مشكلة كبيرة أو صغيرة، والبداية بخلق بنية تحتية للإنتاج التكنولوجي والزراعي والصحي.

 

وأول خطوة هي الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي ثم الاهتمام بالصحة والمستشفيات وبعدهما الاهتمام بالبنية الإنتاجية وليست البنية السكنية فقط.. لا بد من الإهتمام ببناء المناطق الصناعية ونقل تكنولوجيا التصنيع مع فتح الاستثمار المحفز ونزرع في الرقعة المتبقية من الأراضي والاتجاه للصحراء بحفر الآبار للزراعة وحث بدو سيناء والساحل الشمالي للزراعة وتربية العجول ومزارع للأسماك - ومحاولة جذب الاستثمار اللوجيستي بمنطقة قناه السويس- وإنشاء مواني لحركة التجارة والتركيز علي الصناعات المحلية كالروبيكي ودمياط ونصبر بعض الوقت لكي تظهر النتائج خاصة إننا تحتاج الوقت لزراعة الأشجار.

 

الدولة العميقة في مصر

 

وتستطيع مصر مضاعفة إنتاجها الزراعي والصناعي القائم على صناعات تحويلية حقيقية.. تستطيع تحقيق ميزات تجارية هائلة بالعقد القادم.. من كان بتصور أن جوال الليمون المصري (20 كجم) يباع اليوم بأسواق الكويت بـ 26 دولارا بينما يمكننا مفايضته معهم ببرميل البترول من الخام الكويتي الخفيف، والذي يباع اليوم بـ 21 دولارا.. والتركيز على الغذاء والدواء والصناعات التحويلية مع وطن خال من الأوبئة سيكون مدخل مصر إلى نادي الاقتصادات الواعدة.

 

الجريدة الرسمية