رئيس التحرير
عصام كامل

بلد التناقضات.. حكايات الفن والثقافة والأصولية على شواطئ "عروس المتوسط".. الإسكندرية ثاني أكبر معقل للسلفية في مصر

شواطئ الاسكندرية
شواطئ الاسكندرية

الإسكندرية مدينة متوسطية، هويتها تنتمى لحضارات شعوب البحر المتوسط، حيث الموسيقي والفن والتنوع والتعددية الثقافية، وكما كانت مركزًا عالميًا، قبل 100 عام، ‏أصبحت بلد المتناقضات بامتياز، بسبب عمليات التحول الاجتماعي، التي ضربت هويتها في مقتل، وأصابها ألوان من التطرف.

 

التيارات الدينية 

زحف عليها منذ نهاية ستينيات القرن ‏الماضي، من قبل التيارات الدينية، التي غيرت الكثير من معالمها الفكرية والثقافية على مدى أكثر من 50 عاما، لدرجة أنها أصبحت ثاني أكبر معقل للسلفية في مصر!‏

عندما تدخل الإسكندرية، ستجد ألوانا من الفن في الشوارع، صحيح مصر كلها في «أزمة خيال» بسبب تردي التعليم اللائق، وحرمان قطاعات كبيرة من المواطنين من ‏التعرض للفنون المختلفة، والفقر وما يجره من ويلات، لكن الإسكندرانية لا يفتقرون أبدًا إلى تقدير مستنير لتاريخ مدينتهم، بل يضع الكثير من الشباب على وجه ‏التحديد، حماية الثقافة من الداخل، على قائمة أولوياتهم، لإعادة بناء تاريخ العاصمة الثانية لـ«مصر».

ثورة يوليو

ويمكن القول إن تراجع التجانس الثقافي في الإسكندرية، بدأ مع ثورة الضباط الأحرار عام 1952، ويعود ذلك جزئيًا إلى نزوح السكان الأوروبيين، وتهجيرهم قسرًا من ‏المدينة، وما تلا ذلك من تغير في البنية الثقافية المصرية بشكل عام، مما سبب نوعا من التناقض، فالمدن ليست مجرد خلفية لحياة الناس، بل هي لوحات ينقشون ‏عليها ثقافتهم وإدراكهم وتماشيهم مع مستوى حداثة البشر.

‏ كانت الإسكندرية عام 1890، أول بلدية في تاريخ مصر، وتمتعت بدرجة عالية من الاستقلالية، في توجيه التنمية الحضرية، وبعد 120 عاما، أصبحت الآن قبضة ‏المركزية والبيروقراطية تزحف إلى كل شيء، ما يزيد من خسائر التنوع والحريات الاقتصادية والفكرية ويضربها في مقتل، وإن كانت السيطرة الحكومية حاجة ملحة، حتى يتم تطهير مصر ‏كلها من بقايا الجهل والتطرف.

بلد التناقضات

‏التناقض الذي عاشته عروس البحر، سطره الجانب الأدبي من تاريخها، في أعمال الكاتب اليوناني المولود في الإسكندرية «قسطنطين كفافي» الذي استند إلى ‏ماضيها الأسطوري في شعره. وبالمثل كشف صور تراجعها الكاتب العالمي لورانس دوريل، في سلسلة رواياته الشهيرة «رباعية الإسكندرية»، وكذلك الروائي العالمي ‏نجيب محفوظ في أشهر رواياته «ميرامار» التي قدمت عرضًا للمدينة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التاريخ والمجتمع المصري.

وكشفت عن أضرار عملية تسريع ‏الاندماج مع أفكار السلطة الجديدة بعد ثورة 1952، عندما غادر معظم المقيمين الأجانب المتبقين للإسكندرية. ‏ في عروس البحر، تجد الفن له حضور عام وتفاعلي، المقاهي هي أماكن التجمع الرئيسية في مصر، وأصحاب المقاهي ينظمون الحفلات الموسيقية، ما يجعلها ‏منصات فنية تجذب وتلهم الفنانين القدامى والجدد، وكأنها تتمسك بروح هويتها الأصيلة. ‏

يحمل تاريخ الإسكندرية رصيدا من التنوع، فمن أبنائها الخديو عباس حلمي الثاني، آخر من حمل لقب خديو من أسرة محمد على، ومؤسس قصر المنتزه، وتوفيق ‏الحكيم، أحد رواد الرواية والأدب المسرحي، وقسطنطين كفافيس، الشاعر ذو الجذور اليونانية، وسيد درويش، مجدد النهضة الموسيقية في مصر، وعمر الشريف، ‏الممثل العالمي، وأيضا من أبناء الإسكندرية عبد اللطيف أبوهيف، بطل العالم خمس مرات متتالية في السباحة، وأحد أفضل ثلاثة سباحين على مستوى العالم، ويوسف شاهين، المخرج ‏السينمائي الشهير، ومنها خالد سعيد، شهيد الحرية، وجلال عامر، الكاتب الراحل الساخر، والداعية عمرو خالد، والمفكر الإسلامي، محمد سليم العوا.

وما يسطره تاريخ الإسكندرية تستطيع أن تطلق عليه كل ما تشاء: تناقض، أو تنوع، أو حتى تخبط طال كل محافظات مصر! ‏  

نقلًا عن العدد الورقي...،

الجريدة الرسمية