رئيس التحرير
عصام كامل

كورونا ينقذ الدولة الوطنية !

الصرخة العالية المذهلة لكل فرد.. نفسى.. نفسى، والتى إرتبطت دينيا لدى كل المؤمنين بيوم القيامة، هى ذاتها الصرخة الهامسة أو العالية، حسب كثافة الإصابة بكورونا في مناطق أوروبا وأمريكا. هى صرخة الأنا..

 

الصرخة التى يعلن فيها الإنسان إنه أولا ومن بعده أمه وأبوه وأخته وأخوه وصاحبته وبنوه. معظمنا كان يعيش المشهد سطورا فى الكتب المقدسة. في القرآن الكريم مشهد تفصيلى عن يوم الفزع الأعظم. يكشف فيه الله للبشر هول ماهم فيه، على نحو يتجردون فيه من كل الضوابط الغريزية (الأمومة والابوة والعاطفة) والمكتسبة من باب أولى .

 

كارثة كورونا، التى إجتاحت الستمائة ألف مصاب حتى الآن وقتلت مايزيد علي الثمانية والعشرين ألفا حتى كتابة هذه السطور، قلبت موازين المحاسبة والمكانة فوق ظهر الأرض رأسا على عقب، كيف؟

 

اقرأ ايضا: تأملات فى الوباء: الدول.. سجون كبيرة

 

يمكن تفسير ما يجرى من تنازع وإتهامات داخل الإتحاد الأوروبي، بل وداخل الولايات المتحدة، بأنه صحوة نحو رد الإعتبار للدولة الوطنية. العشر سنوات الأخيرة بذلت فيها الدولة الأمريكية، ومعها خدم سياسيون وعبيد بحجم قطر وتركيا، جهودا عسكرية وإعلامية تضليلية وأموالا بالمليارات لتحطيم أسوار الدولة الوطنية وسيادتها وتركيعها وتقسيمها إلى أعراق وطوائف وميادين وقرى متناحرة.

مع نهاية السنة التاسعة من الربيع الفيروسي العبرى إنقلب الفيروس الطبيعي على الفيروس السياسي وإفترسه.

 

إفترس فيروس كورونا فيروس الفوضى وهدم الدولة الوطنية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق. أنقذ فيروس السماء الدولة الوطنية من فيروس الخيانة والضلال. وتصورا لو أن مصر لا قدر الله كانت لما تزل تحت حكم المتخلفين دينيا وإدراكيا من الإخوان الإرهابيين والسلفيين..

 

اقرأ ايضا: العالم فى خطر

 

تخيلوا كيف ستكون المعالجة لمواجهة كارثة بكل معنى الكلمة. بالأوردة والأهازيج والتوسلات والمسيرات: بالروح بالدم حنجيب كورنا الأرض! أو على طريقة الجبرتى: يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف. اوحلقة ذكر فى إتحادية مرسى وشركاه.. وقصعة فتة ومغارف أرز باللبن..

 

الدعاء الى الله مع الأخذ بعلم الله هو المطلوب، أما التوفيق فبيد الله. نأخذ بالأسباب ونفر من قضاء الله إلى قضاء الله.

 

تنسحب إذن الصرخة الذاهلة المرتعبة نفسي نفسي من الفرد الواحد الى الدولة الواحدة. إيطاليا كفرت بالإتحاد الأوروبي، ورأت الصين بطواقمها ومستلزماتها الطبية أقرب إليها من دول الإتحاد الأوروبي التى تتصارع على الكمامات والقفازات وأجهزة التنفس الصناعى.

 

صربيا صرخت وإستغاثت بأوروبا لكن بلا جدوى، وعايرهم رئيس صربيا بأنهم فيما مضي كانوا يبيعونهم كل شئ من أجل المال.. اليوم أصموا آذانهم عن صرخات الإستغاثة الصربية. الدولة الوطنية في أمريكا إستصرخت الدولة الوطنية فى الصين، وتنازل ترامب عن تعاليه وأجرى حوارمفصلا عن كورونا وستساعده الصين، وسوف يتعاونان لمواجهة كورونا عدو البشر!

 

اقرأ ايضا: الكمامة والقمامة!

 

هذه هى الجدوى الوحيدة السريعة الظاهرة حتى الآن من الرعب الفيروسى الذى جعل أربعة مليارات من البشر يعيشون في زنازين داخل بيوتهم، يخافون من لمس بعضهم البعض. ومن همس بعضهم لبعض ومن أنفاس بعضهم لبعض.

 

كان اللمس وكان الهمس وكانت الأنفاس اللافحة علامات وجد وعشق وإقتراب وإلتحام . جعلها فيروس حقير خطير أسبابا للعزلة والإنعزال والدفاع عن البقاء.. نفسى نفسى.. وبعدى الطوفان .

ماذا بعد الفيروس؟

سؤال المتفائلين.. حسنا دعهم متفائلين!

 

الجريدة الرسمية