رئيس التحرير
عصام كامل

المؤسسات الدينية تنتفض ضد احتكار السلع.. الإفتاء: حرام شرعًا وخيانة للأمانة.. الأزهر: يجب على الدولة التدخل

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أدت حالة الهلع التى يعيشها بعض المواطنين خلال هذه الأيام تخوفًا من تفشي فيروس “كورونا” المستجد إلى الإقبال بكثرة على شراء السلع الأساسية، وفى المقابل عمل بعض التجار على احتكار بعض السلع الأساسية من المستلزمات الوقائية الطبية، ومن الأسئلة التى ترد في هذا الشأن هو “حكم الاحتكار للسلع وقت هلع الناس من الوباء واستغلال حاجة الناس والمغالاة”.

 

وفي هذا السياق انتفضت كافة المؤسسات الدينية من أجل تحريم احتكار السلع والتنبيه على التجار بضرورة مراعاة أحوال الناس وعدم استغلال حاجة الناس.

رأي الإفتاء 

من جانبها شددت دار الإفتاء أنه لا يجوز شرعًا ما يرتكبه بعض التجار من حبس السلع الضرورية والأساسية ومواد الوقاية الطبية عن الناس، واستغلال الظروف الراهنة بقصد الاحتكار ورفع الأسعار، لتحقيق مكاسب مادية، فهذا الفعل حرام شرعًا وخيانة للأمانة، فالشريعة الإسلامية حرمت الاحتكار بكل صوره وأشكاله، يقول تعالى: ﴿... وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، وتوعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المحتكر بقوله: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَقْذِفَهُ فِي مُعْظَمٍ مِنَ النَّارِ».

هل انتشار فيروس كورونا عقاب وبلاء من الله؟.. الإفتاء تجيب

مركز الفتوى

من جانيه أكد مركز الأزهرالعالمي للفتوى الإلكترونية، أن من أهم القواعد والأسس التي رسخها الإسلام في المعاملات بين الناس مراعاةَ مصالح وحال الناس، وجعل من أهم خصائص الشريعة الإسلامية رفع الظلم والتظالم بين الناس، فإذا كان الإسلام قد أرشد ووجه إلىٰ طريق الكسب الحلال من خلال التجارة والبيع والشراء في قوله تعالىٰ: {وَأَحَلَّ ﷲ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، إلّا أنه تعالىٰ قد ضبط وقيّد هذه المعاملات بما يجب أن تكون عليه من مراعاة حقوق الناس، وإقامة العدل بينهم، وحرم أكل أموال الناس بالباطل فقال سبحانه وتعالىٰ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29].

وأوضح المركز أن الحكر والاحتكار في اللغة: ادخار الطعام للتربص، وصاحبه محتكر. قال ابن سيده: الاحتكار جمع الطعام ونحوه مما يؤكل، واحتباسه انتظار وقت الغلاء به. وجاء في القاموس المحيط [صـ484] للفيروزآبادي رحمه الله: الحكر هو: الظلم وإساءة المعاشرة، ... وبالتحريك ما احتكر أي احتبس انتظارًا لغلائه.

أما في الاصطلاح: فقد اتفق الفقهاء علىٰ أن الاحتكار في الاصطلاح لا يخرج عن معناه في اللغة، فجميع تعريفاتهم متقاربة في المعاني والألفاظ، ويجمعها تعريف الإمام الباجي رحمه الله بقوله: "هو الادخار للمبيع وطلب الربح بتقلب الأسواق" أي: إن الاحتكار هو حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتىٰ يغلو سعره غلاءً فاحشًا غير معتاد، بسبب قلته، أو انعدام وجوده في مظانه، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه.

وأمّا حكمه: فقد اتفق جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية وغيرهم علىٰ حرمة الاحتكار؛ لما فيه من تضييق علىٰ عباد الله مستدلين بما يأتي:

- بقول النبي ﷺ: «لا يحتكر إلا خاطئ» أخرجه مسلم. ووجه الدلالة: أن التصريح بأن المحتكر خاطئ كافٍ في إفادة عدم الجواز؛ لأن الخاطئ هو المذنب العاصي، وهو فاعل من خطئ من باب علم إذا أثم في فعله.

وأكد المركز أن الاحتكار جريمة دينية واقتصادية واجتماعية، وثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله، وقد تنوعت صورة، وتعددت أساليبه، وأنه لا يكون في الأقوات فحسب، وإنما يكون في كل ما يحتاج إليه الناس من مال وأعمال ومنافع؛ ذلك أنه من المقرر فقهًا أن «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أم خاصة»، فمواقع الضرورة والحاجة الماسة مستثناة من قواعد الشرع وعموماته وإطلاقاته.

وأوضح أن الاحتكار المحرم شامل لكل ما تحتاج إليه الأمة من الأقوات والسلع والعقارات من الأراضي والمساكن، وكذلك العمال والخبرات العلمية والمنافع لتحقق مناطه، وهو الضرر اللاحق بعامة المسلمين من جراء احتباسه وإغلاء سعره.

وتابع: ولا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلىٰ أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز، وهو منهي عنه، ويجب الأخذ علىٰ يده، ومنعه من ذلك، إذا لم يكن في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس، وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز، ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك.

وأكد المركز أنه على الدولة أن تتدخل لحماية الأفراد من عبث العابثين، ومصاصي دماء الشعوب، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار، وإعادة الثقة والطمأنينة إلىٰ نفوس المواطنين.

 

الدليل الشرعي للتعامل مع كورونا.. تعرف على إجابات أبرز الأسئلة

لجنة الفتوى 

وفي سياق متصل أكدت لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر الشريف في أنه في ظل ما يشهده العالم من معاناة بسبب انتشار فيروس كورونا الوبائي تتطلع فئة من التجار إلى تضخيم ثرواتهم، على حساب حاجة الناس، والاتجار بآلام الناس ومعاناتهم، وعدم الاعتبار بالنذر والآيات التي قدرها الله لتذكرنا بقدرته، قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.

 

وقالت اللجنة ردا على سؤال حول  لجوء البعض للاحتكار في وقت الأزمات، إن الاحتكار وهو حبس الشيء عن البيع والتداول بقصد إغلاء سعره، محرم شرعا بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ»، وقوله: «من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله»، وقوله أيضا: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه".

أضافت اللجنة: إنه فضلًا عن تلك النصوص الصريحة القاطعة في النهي عن الاحتكار فإن القواعد العامة للشريعة الإسلامية تفيد النهي عن الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس، وذلك أن المحتكر يمتنع عن بيع شيء يحتاج إليه الناس وهذا ظلم، والظلم حرام، قال الكاساني: إذا امتنع البائع عن بيع شئ مع شدة حاجة الناس إليه فقد منعهم حقهم ومنع الحق ظلم.

وتابعت اللجنة: إن الاحتكار لا يقتصر على منع السلع من التداول وحسب، بل إن تواطؤ البائعين على البيع بالسعر الفاحش؛ إعناتا للمشترين وتحقيقا للأرباح الطائلة صورة من صور الاحتكار، كما أن ترويج الإشاعات عن نقصان سلعة معينة أو ارتفاع سعرها ابتغاء إقبال الناس على ادخار المزيد منها حتى يزداد الطلب عليها فترتفع أسعارها نوع من أنواع الاحتكار ، وصورة من صور الاستغلال المحرم .

وأكدت اللجنة أن التجارة في الإسلام لا تنفصل عن معنى العبادة، والتاجر المسلم يتعبد لله تعالى بتجارته كما يتعبد بصلاته وسائر عبادته، وإذا انتبه التاجر المسلم لهذا المعنى استيقظ ضميره، وعفت نفسه عن التطلع إلى ما حرم الله ورسوله، وحقا؛ فإن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي بالدرجة الأولى، وأن المسلم الحق لا يبيح لنفسه أن تكثر ثروته على حساب الفقراء والمحتاجين؛ لأنه يعلم أنه مستخلف على المال، وأنه أمانة بين يديه يكتسبه من حِلِّه، ويضعه في محلِّه، وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم التاجر المسلم أمام هذه الحقيقة فقال "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ".

الجريدة الرسمية