رئيس التحرير
عصام كامل

فساد الجامعات.. من يحميه؟

هل لا تزال "كلمة الحق" فى بلادنا ثقيلة إلى الحد الذى تجلب على صاحبها اللعنات والتشريد والتجريس؟ وهل ما زلنا نتعامل مع مَن يتمسكون بها بمنطق: "أخرجوا آل لوط من قريتكم، إنهم أناس يتطهرون"؟

 

خلال الأيام القليلة الماضية.. انشغلت منصَّات التواصل الاجتماعى، بقضية فساد فى جامعة المنوفية، فجَّرها رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق الدكتور "هشام البدرى"، الذى يقول إنه تعرض للعزل من منصبه وإبعاده عن الجامعة، بدعوى أنه رفض التلاعب فى نتائج ودرجات أبناء هيئة التدريس والتواطؤ فى منحهم "التقديرات العُلا"؛ حتى يرثوا آباءهم فى الجامعة. هذا كلام خطير واتهام لا يحتمله ذوو الضمائر الحية والقلوب السليمة.

 

 آفة التوريث لا تزال تضرب بقوة فى الجهات الحكومية الرفيعة بعد ثورتين متعاقبتين، لم يتم اقتلاعها بعدُ، والجامعات فى الصدارة منها بطبيعة الحال. فى مصر فقط يجب أن يكون ابن الطبيب طبيبا، وابن المهندس مهندسا، وابن الدبلوماسى دبلوماسيا، وابن أستاذ الجامعة أستاذا جامعيا، حتى وإن كان أميا لا يجيد قراءة أو كتابة، والنماذج كثيرة جدا، ولكن كان يراودنا أمل فى أن نتخلص من هذا الأمراض والأعراض الخبيثة.

 

اقرأ أيضا: عندما يتكلم "مجدى يعقوب"

 

 بحسب الدكتور المعزول، فإنَّ بعضا من الأساتذة بجامعة المنوفية يجهزون أبناءهم، مثنى وثلاث ورباع، فى المراحل المختلفة؛ ليكونوا امتدادا لهم فى مناصبهم حتى لو لم يكونوا مؤهلين لذلك وحتى لو كان عبر انتزاع درجات وتقديرات ليست من حقهم، ولا تواكب مستوياتهم وهو ما رفضه وعارضه وتصدى له بقوة، فكان مصيره الطرد من الجامعة، بحسب ما يقول ويؤكد!

 

ورغم ما نشره الدكتور "هشام البدرى" على حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك"، ولا يزال ينشره من أسرار وتفاصيل مَظلمة وشكاية مكتملة الفصول والأركان، فإن أحدا من مسؤولى الجامعة أو الكلية تحرك لدرء أو نفى هذه الاتهامات أو مقاضاة صاحبها، ما يُضاعف احتمالية صحتها، ويجعلها إلى الصدق أقرب منها إلى التكذيب. ما يكتبه "البدرى" على صفحته الخاصة يظل صحيحا وصادقا حتى يثبت العكس.

 

شخصيا.. كنتُ أتمنى أن يكون كل ما ذكره "البدرى" فى هذا الشأن مكذوبا، حتى لا تتحول جامعاتنا إلى كيان مريض موبوء، ولكن أحدا لم يرد، بل إن "البدرى" لم يكتف بذلك، حيث كان ولا يزال يدعم أقواله بمستندات دامغة تكشف بجلاء ما يدور داخل الجامعة، ولا يزال يخفى فى جعبته الكثير على ما يبدو!

 

من المؤكد أن تلك الواقعة ليست جديدة أو طارئة بشكل عام، كما أنها ليست حديثة على الجامعات المصرية بشكل خاص، ولكن الاستثناء هذه المرة أن هناك مَن رفض أن يصمت على الباطل، أو يصفق له، حتى لا يتم التضحية به وإلقاؤه من المركب، أو الزج به فى غيابات الجُبِّ. كثيرون يختارون الصمت والتغافل والتجاهل؛ حتى لا يصيبهم ما أصاب "البدرى"!

 

اقرأ أيضا: بيزنس الوطنية!

 

القضية تتفاعل شعبيا على منصات التواصل الاجتماعى ولا أحد مهتم بالرد والتوضيح والنفى. وزير التعليم العالى والبحث العلمى آخر من يعلم أو يتعامل مع مثل هذه الملفات. الجهات المعنية بالحرب على الفساد تدفن رؤوسها فى الرمال، كأن الأمر لا يعنيها ولا يدخل ضمن اختصاصاتها. السكوت فى مثل هذه الحالة "خيانة" مع سبق الإصرار والترصد ولا يحتمل تبريرا أو تفسيرا. والمواءمات "جُبن وتنطع ونذالة" سوف تدفع ثمنها غاليا الأجيال المقبلة!

 

 يجب أن يكون هناك تحرك جاد وعاجل، يُظهر الحقيقة، ويُنصف المظلوم، ويعاقب المخالف، ويُطهر الجامعة من لصوص التقديرات والدرجات المزيفة وسابقة التجهيز، ويعيد "الحقوق" إلى أصحاب "الحقوق" فى كليات "الحقوق". لا يجب أن تكون أبواب كلية الحقوق "مخلعة"، هذا لا يستقيم ولا يصحُّ.

 

 أبعدوا الفساد عن الجامعات، حافظوا على صورة الأستاذ الجامعى، الوطن لن يستفيد شيئا مذكورا من فاسدين انتزعوا درجات وتقديرات ليس من حقهم. من يبدأ حياته فاسدا سوف يبقى فاسدا ومفسدا. لا تغتالوا القدوة الحسنة أينما ظفرتم بها. التوريث أسقط أنظمة، وقوِّض مجتمعات، ودمر شعوبا. نريد تحقيقا نزيها فى هذه القضية المثيرة للجدل والغضب؛ حتى لا تمتد عدواها إلى ما سواها. حافظوا على الحد الأدنى من الكرامة والطهر والنقاء والضمير.

الجريدة الرسمية