رئيس التحرير
عصام كامل

الثقافة والتمرد!


"الثقافة ليست بضاعة مادية لأمة من الأمم وإنما ثقافة كل أمة ملك للبشرية جميعا...ثقافة كل أمة ليست سوى عمل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال فليكن همنا جني العسل دون النظر إلى جماعات النحل". الكاتب توفيق الحكيم 


المرحلة الحالية التي تتعرض فيها مصر وأمنها المائي والقومي إلى أخطار إستراتيجية حقيقية، تتطلب تجميد الخلافات، والوقوف جميعا في خندق واحد لمواجهة هذه الأخطار.... ازداد مشكل الثقافة على أجندة المعارضة الحالية لحكم الرئيس مرسي وحكومته المقترحة.

هناك قضيتان على درجة كبيرة من الأهمية يمكن أن تحددا طبيعة مستقبل مصر العربية وملامحه الرئيسية:

القضية الأولى: الانقسام الداخلي الحاد الذي يزداد اتساعا بين السلطة والمعارضة، وهو انقسام يأخذ طابع التمرد المدني وهو يقترب من موعد 30 يونيو، خاصة من قبل المعارضة المدنية المصممة على الإطاحة بالنظام والحيلولة دون إكمال الرئيس مرسي لولايته الرئاسية الأولى، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

القضية الثانية: أخونة الثقافة وانحيازها لأطروحات المرشد العام للإخوان وتخليها عن كونها تراث الأمة وتتمثل كل روافد الثقافة المصرية العربية والأفريقية والإسلامية والمسيحية.

من يستمع إلى المبدعين والفنانين والمثقفين المصريين، أو معظمهم، يخرج بانطباع راسخ بأن إمكانيات التعايش مع وزير الثقافة الحالي من المستحيلات السبعة، ويسردون سلسلة طويلة من الأمثلة لدعم وجهة نظرهم هذه، وحجم الإخفاقات التي وقع فيها، ولا يريدون أن يستمعوا إلى أي وجهة نظر تقول أن الوزير قادم بإستراتيجية جديدة تحارب فلول الحرس القديم لترسانة حكم مبارك في وزارة الثقافة.

المعارضة الثقافية للوزير الحالي للثقافة تريد وزارة للثقافة بمصر مستقلة تتمثل ثقافة البلاد ولا تنتمي لتيار سياسي معين، وترى في حكم الإخوان المسلمين خطرا يهدد البلاد، وتخشى من "أخونة" الدولة، وتعيش هاجس استمرارهم، أي الإخوان، في الحكم لعقود قادمة.
 
لطالما نادى المفكرون والأدباء بحرية الثقافة ودعوا إلى تحرير المثقفين من مختلف الأطر التي تنمط تفكيرهم، ويمكن أن نذكر هنا كمثال رؤية المفكر "علي حرب" وما يدعو إليه صراحة من ضرورة التخلص من الأوهام التي علقت بذهن المثقف، ففي كتابه "أوهام النخبة" يرى "حرب" أنه من واجب المثقف أن "يموضع" نفسه في خانة الإنتاج والإبداع والنقد الثقافي وهي، حسبه، المهمة الوحيدة التي يجب أن يضطلع بها، لذلك يعيب على المثقفين انصرافهم إلى مهام أخرى وتقمص أدوار ليست لهم، كتقمص دور السياسي والداعية أو النبي والكاهن.

هناك إذا جدلية صريحة بين الوعي والدور فبينما يمكن الوعي الدور من الأداء الفعال نتيجة الإحاطة بالواقع الاجتماعي وفهمه وتحليله، يزيد الدور الوعي وعيا إضافيا نتيجة الممارسة الميدانية، فالممارسة الميدانية تكشف للوزير المثقف عن عوامل جديدة لم يكن يعرفها، وهو يعمل دائما على تجديد وعيه وفقا لهذا الدور وبهذا فقط يستطيع أن يقدم أداء راقيا يستفيد منه الجميع.

لذا لم يفهم "لحد" الآن تصرف وزير الثقافة الجديد في عدم تقبله للرأي الآخر، واستبعاده لكل المبدعين والمثقفين الذين يشكلون الرأي العام المصري، وأنا شاهدت له آخر تصريح على قناة "مصر25" الرسمية للإخوان، أنه لن يتنازل ولن يتسامح مع الفاشلين والوصوليين ومستمر فى ترشيد المال العام في القضايا الثقافية ومنح كل مواطن مصري حقه بالثقافة، وتعميم مبدأ الكفاءة والأمانة كمعيار شفاف لأداء الدور الثقافي إبان الثورة.

نرى على كل القنوات المصرية الرأي الآخر الذي يثبت بطلان ادعاءات وزير الثقافة في "عصرنة" وزارة الثقافة ويعتبرون ما يقوم به هو بمثابة أخونة الثقافة ببساطة.

أنا مع رأي الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق الذي جاء فيه: الفنون والآداب والثقافة هي ضمير الأمة، ودائما ما تكون الثقافة هي أساس الحضارة في أي دولة عظمى، وإن الإبداع هو العنصر الأساسي في فهم الماضي واستثمار الحاضر وصناعة المستقبل، وما يحدث الآن في الوزارة سيخلق نوعا من العداء بين الوزير الحالي ومعظم المثقفين في مصر.. على الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة أن يجمع جميع المثقفين ويحاول بكل الطرق أن يقرب بين وجهات النظر، وأن يغير لهجته العدائية التي يتعامل بها حاليا مع المثقفين.

نتمنى من كل أعماقنا كمبدعين ومثقفين عرب أن تبقى مصر القلعة الثقافية التي نستمد منها عربيا قوتنا ومنارة الثقافة العربية المستقبلة، وأن تمر هذه الغمة على خير، وأن نرى الوجه الآخر للثقافة العربية المصرية التي فرزتها الثورة بعيدا عن الصراع السياسي، وتبقى الثقافة سفيرة مصر للعالم العربي وللعالم أجمع.

لنجدد مرة أخرى المطالبة أن تكون وزارة الثقافة بالوطن العربي وزارة سيادة لا تنتمي لأي حزب كيفما كان نوعه وتوجهه وإستراتيجيته، بل هي ملك للأمة وضميرها الحي، وأن يرشح وزراء الثقافة بالوطن العربي من طرف مجالس ثقافية معترف بها من خيرة مثقفي ومبدعي الأمة حتى لا نقع في الخطأ السياسي الذي يخلق صراعا سياسيا وأجندة سياسية نحن لسنا بحاجة لها.
الجريدة الرسمية