رئيس التحرير
عصام كامل

محاكمة “معيط”.. مجلس النواب ينتظر “فساد المالية”.. الأعضاء يستعدون لمواجهته بـ”الأدوات الرقابية”.. و"غلاب" يكشف التقصير 

وزارة المالية
وزارة المالية

لسنوات طويلة ظلت وزارة المالية بعيدة كل البعد عن «مربع الشبهات»، لا قضية إهدار مال عام داخلها تنفجر، ولا أزمة «فساد» تكشفها وسائل الإعلام، ليس هذا فحسب، لكن هناك أصواتا ظلت تضرب بها المثل في الشفافية والنزاهة وحسن السير والسلوك، حتى جاءت الطامة الكبرى، واتضح أن «المالية» كانت فقط بعيدة عن الأضواء الكاشفة، وأنها تضم بين جنباتها «عتاولة» في الفساد، وهو ما كشفت عنه الأيام الماضية.

 

في غالبية دول العالم عندما يتم الكشف عن قضية فساد في أحد الكيانات أو الهيئات الكبرى، فإن المسئول الأول عن هذه الهيئة يبادر بـ«الاستقالة» ويعلن تحمله المسئولية كاملة، لا سيما وأنهم «أولى الأمر» الذين اختاروا القيادات التي ثبت فسادها، وفى ضوء ما حدث مؤخرًا من قيام الرقابة الإدارية بالقبض على رئيس مصلحة الضرائب المصرية ومستشار وزير المالية في واقعة فساد، خرجت أصوات لتطالب الدكتور محمد معيط، وزير المالية بالرحيل عن الوزارة، لا سيما وأنه المسئول الأول عن اختيارات قيادات الوزارة.

مجلس النواب

مجلس النواب لم يكن بعيدًا عن مشهد «فساد المالية»، حيث أعلن عدد من أعضاء مجلس النواب، دراستهم لتقدم بطلبات إحاطة موجهة لوزير المالية واتخاذ جميع الأدوات الرقابية تجاهه، وذلك على خلفية انتشار عدد من وقائع الفساد بوزارته، وصلت لضبط أحد مساعديه بعد ضبط رئيسى مصلحتى الضرائب والجمارك مؤخرًا في قضايا رشوة وفساد. 

وأكد النواب أنهم ينتظرون نتيجة التحقيقات التي تجريها الجهات القضائية المعنية حول تلك الوقائع، حتى يتم التأكد من إدانة أو عدم إدانة المتهمين، على أن يتم بعدها اتخاذ الإجراءات الرقابية تجاه بقية المسئولين في الوزارة وفى مقدمتهم «د. معيط».

طلب إحاطة

وفى هذا السياق كشف النائب عمرو الجوهرى، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أنه يعد حاليًا طلب إحاطة، موجهًا إلى وزير المالية، بشأن ما تم إعلانه حول إجراء تحقيقات مع مسئولين بوزارة المالية منهم مساعد للوزير، إضافة لرئيس مصلحة الضرائب ورئيس مصلحة الجمارك ، وبعد مستشار الوزير لفض المنازعات، مشيرًا إلى ضرورة حضور وزير المالية إلى المجلس لتوضيح أسباب الخلل وذلك الفساد.

وأضاف «الجوهرى»: مجلس النواب سيكون له دوره الرقابى في ذلك الأمر، لكن بعد انتهاء دور الجهات القضائية التي تجرى تحقيقات حالية بشأن وقائع الفساد، حتى يتبين من ستتم إدانته، ومن سيحصل على البراءة من هؤلاء المسئولين، وكذلك سيتضح المتورطون والمسئولون عن ذلك الخلل، وبالتالي سيتولى المجلس محاسبتهم سياسيًا، وحال صدور أحكام قضائية بإدانة هؤلاء المسئولين، الذي تم ضبطهم للتحقيق معهم، سيكون وزير المالية متحملًا مسئولية تلك الوقائع من الناحية السياسية، باعتباره المسئول الأول بالوزارة عما يحدث بها من خلل أو فساد.

وشدد «الجوهرى» على أن وزير المالية مسئول سياسي عن كل من رئيسي مصلحة الجمارك ومصلحة الضرائب، وكل ما يتعلق بالسياسات الضريبية والنقدية. في حين أعلن النائب محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، أنه سيدرس ما يمكن اتخاذه من أدوات رقابية ضد وزير المالية، الدكتور محمد معيط، في ظل تزايد معدلات قضايا الفساد داخل المؤسسات التي تتبع الوزارة، وآخرها ضبط رئيس مصلحة الضرائب، وقبله رئيس مصلحة الجمارك، ثم مستشاره لفض المنازعات في قضايا فساد.

قضايا الرشوة 

وأبدى «فؤاد» تعجبه من ضبط رئيس مصلحة لا يتعامل مع المواطنين متلبسًا في قضية رشوة، قائلًا: «قد يكون الأمر مقبولًا مثلًا من مأمور ضرائب يتعامل بشكل مباشر، لكن ضبط رئيس مصلحة فهذا الأمر يتطلب وقفة»، كما أشار إلى أن «وصول الفساد واستفحاله حتى يصل لرؤساء مصالح بهذا الشكل، يشير إلى أن هناك خللًا واضحًا في المنظومة بالكامل، وعلى وزير المالية أن يراجع جميع اللوائح التي سمحت بوصول فاسدين بهذا الشكل لهذه المؤسسات المهمة»، مؤكدًا أن «ما يحدث من ضبط رؤساء هيئات في قضايا رشوة وفساد بهذا الشكل يؤكد وجود منهجية للفساد في داخل هذه المؤسسات، وكشف النائب محمد فؤاد أنه سيتقدم بشكل عاجل بسؤال لوزير المالية حول ما تم اتخاذه من إجراءات لمواجهة الفساد بعد القبض على رؤساء 2 من أهم المصالح بوزارته.

التحقيقات

فيما أكد عمرو غلاب، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، أنه سينتظر ما ستسفر عنه التحقيقات، ومعرفة على من تقع المسئولية، وبعدها يتخذ البرلمان ما يلزم من أدوات رقابية، ففي حال ثبوت التهم ضد المتهمين فبذلك يكونون قد أخذوا عقابهم.

من جانبه قال النائب محمد العتمانى، عضو اللجنة التشريعية بالبرلمان: ضبط مسئولين كبار في قضايا فساد بوزارة المالية، ليس بجديد، حيث سبق ضبط وزير الزراعة، ومستشار وزير التموين، وغيرهم وهو ما يدل على انتشار الفساد، ورغم الدور الكبير الذي تبذله الرقابة الإدارية في ضبط تلك الوقائع، إلا أننا في حاجة لرقابة شعبية.

وهو ما يمكن تفعيله من خلال توعية المواطنين بخطورة الرشاوى والفساد عليهم وعلى بلادهم، وإضافة للرقابة الشعبية، تأتى الرقابة البرلمانية، والتي يتحمل عدم تفعيل دورها بالشكل الكامل، الأغلبية البرلمانية التي لم تساند طلبات سحب الثقة من وزيرة الصحة مؤخرا، ومكتب المجلس المسئول عن إدراج الاستجوابات للمناقشة.

رئيس الوزراء 

وحول وقائع فساد مسئولي وزارة المالية، قال «العتمانى»: أتوقع تقدم عدد من النواب، بطلبات إحاطة واستجوابات موجهة لرئيس الوزراء ووزير المالية، بشأن تلك الوقائع، إلا أنه لم يتم إعلان مناقشتها أو إحالتها للمناقشة بسبب إجراء تحقيقات في القضية بالجهات القضائية.

وقال ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان: مسئولية تلك الوقائع، يتحملها مرتكبوها، لا سيما وأن الوزير لم يكن يعلم عنها شيء، وحال علم الوزير بما كان يتم من فساد، يكون متسترا على الفساد ويستوجب مساءلته، وبشكل عام سننتظر نتائج التحقيقات، ولكن لا بد أيضًا من التأكيد على وضع ضوابط اكتر حوكمة ومكافحة للفساد، في إجراءات إنشاء وتأسيس مكاتبة المحاسبة التي تعد أساس تلك الفساد، وذلك من خلال إجراءات تشريعية ولائحية جديدة.

ومن جانبه قال الدكتور علاء الغرباوى، الخبير الاقتصادى، أستاذ التسويق ووكيل كلية التجارة جامعة الإسكندرية: ما يدور على الساحة من مناقشات وخلافات حول من يتحمل مسئولية اختياراته لقيادات في مناصب حساسة ورفيعة المستوى كمنصب رئيس مصلحة الضرائب وغيرها، ومطالبة وزير المالية بضرورة التقدم باستقالته باعتباره المسئول الأول عن ترشيح الشخصيات القيادية في تلك المراكز المهمة، ووزير المالية مسئولًا فقط عن تزكية الأشخاص المرشحين على أن تقوم الجهات الرقابية والأمنية بالبحث عن خلفياته الأيديولوجية وتاريخه العملى وعلاقاته.

نظام ثابت

وأضاف: من المفترض أن يكون لدى الحكومة نظام ثابت يتم تنفيذه مع جميع المرشحين للمناصب المهمة بدرجاتها كافة، ويقوم النظام على تطبيق ضوابط وتحريات أمنية هائلة ترتكز على علاقات المرشح العملية وشركائه ومناصبه السابقة، كذلك البحث عن السيرة الذاتية والتحرى عنها، وكذلك التحرى عن إقرارات الذمة المالية.

وتابع : لست مع المطالبة بإقالة وزير المالية، بسبب أزمة تورط معاونيه فى قضايا فساد،فالجامعات على سبيل المثال تطبق قواعد تبدأ بإجراءات البحث الأمني والتحريات والخلفية الأيدلوجية وحسن السير والسلوك، كذلك مخاطبة الأجهزة الإدارية والرقابية وهى المنوط بها متابعة الموظفين قبل اختيار أي شخص لتولى منصب هام كرئيس القسم أو عميد الكلية أو رئيس الجامعة ورؤساء ووكلاء الكليات والجامعات.

كما أوضح أن «مصر مليئة بالكفاءات إلا أن أسس اختيار المسئولين غير واضحة وتتم في دائرة ضيقة للغاية ولذلك فإنها في كثير من الأحيان يكون الاختيار خاطئ وتترتب عليه خسائر فادحة للاقتصاد الوطنى».

في حين أكد الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادي، رئيس منتدى السلام والتنمية أن «وقائع الفساد التي تم ضبطها مؤخرًا في وزارة المالية لا بد أن ننظر لها من أكثر من بعد، فنرى أن الوزير بصفته وزير المالية هو المسئول الأول عن اختيار القيادات داخل وزاراته وهذا مرتبط بمجموعة من المعايير في مقدمتها التقارير الأمنية التي لا بد أن تتضمن الخط العام للموظف منذ بدايته وحتى توليه الوظيفة، وطالما تم ضبط بعض الموظفين متلبسين، وتم التأكد أنهم قد مارسوا هذا الأعمال التي يعاقب عليها القانون، فإن الجهات الأمنية تعد هي المسئول الأول لتضليها الوزير المختص الذي يعتمد على التقارير النهائية في المفاضلة بين الأشخاص الذين يعرضون عليها لاختيار واحد منهم.

وأضاف: الشق الثاني يتمثل في أنه لا يجب إعفاء الوزير من المسئولية، ولعلنا نتذكر تصريح وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي بأن ٦٥% في العاملين في مصلحة الضرائب مرتشين، وهذا يعنى أن الوزير كان يمتلك الآليات التي استطاع أن يجمع بها المعلومات حينئذ من التقارير ليصل إلى هذا الاعتراف الخطير، وبالتالي فإن وزير المالية الحالي لم يكن بعيد عن وزارة المالية حيث أنه عمل مستشار لوزارة المالية، وبالتالي فهو يعرف أدق التفاصيل عن وزارته.

وأكمل: يوجد بعض كبار المسئولين يبررون عمدا أخطاءهم في اختيار بعض الأشخاص للمناصب القيادية المعينة، بأن هناك تدخل من الجهات الرقابية والأمنية، وهذا الكلام منافي تماما للحقيقة، فدور الجهات الرقابية لا يتعدي إبداء الرأى في ضوء معايير محددة تتعلق بالوطنية والنزاهة والشفافية وحسن السمعة والسير والسلوك. من جهته قال الدكتور صلاح هاشم، أستاذ التخطيط والتنمية، جامعة الفيوم: فيما يتعلق بمسئولية أي رئيس مصلحة عن أخطاء المرؤسين سواء من رؤساء القطاعات أو مديري العموم بالقطاع لديه، فهناك قدر من المسئولية الأخلاقية والإدارية قد تقع على رئيس المصلحة خاصة إذا كان ضليعًا في اختيار هذه القيادات سواء منفردًا أو من خلال لجنة مشكلة كان هو رئيسها بحكم منصبه.

وسواء كان ذلك في الأمور المتعلقة بالندب أو التعيين أو التجديد كما حدث في واقعة وزارة المالية التي تورط فيها مستشار الوزير ورئيس مصلحة الضرائب بعد شهر واحد من تجديد تعينه، حسب القانون الإدارى فإن أخطاء المرءوسين لا تعفي الرئيس من المسئولية، وتابع: بالنسبة للمعايير المتعلقة باختيار القيادات، فإنه ما دون درجة المدير العام فإن التعين بالدرجة يكون بالأقدمية، بينما يتم اختيار مديري العموم ووكلاء الوزارة عن طريق المسابقات التي يتم الإعلان عنها وفق معايير محددة سلفًا، ويتم تشكيل لجنة لاختيار القيادات بالوزرات المختصة، ويرأس هذه اللجان الوزير المختص بحكم منصبه ولا يتم التعيين دون استطلاع الجهات الأمنية والرقابية التي تبدي رأيها في ضوء ما هو متاح لها من مستندات تدل على شفافية ونزاهة ووطنية المرشح للدرجة.

وفيما يتعلق بدور الجهات الرقابية في اختيار القيادات قال «د. صلاح»: لا يزيد دور الجهات الرقابية على ٣٠% من درجة القبول في الوظيفة، ويتم الحكم على المرشح في ضوء ما هو متاح لدى هذه الجهات من تقارير أمنية ورقابية تثبت مدي وطنية وشفافية ونزاهة المرشح للوظيفة من عدمة، بينما يكون للجنة المشكلة النصيب الأكبر في قرار التعيين وهو ٧٠% تقريبا ويحصل عليها المرشح في المقابلة التي يجريها مع اللجنة المشكلة ومن خلال خطة التطوير التي يتقدم بها كل مرشح ويتم الحكم عليها في ضوء معايير الكفاءة الإدارية والابتكار وأكثر من ١٤ مؤشرًا، هذا فضلًا عن خبرة اللجنة بالشخص المتقدم للوظيفة، وهذه الخطوات تنطبق على التعيين والتجديد في نفس الدرجة.

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية