رئيس التحرير
عصام كامل

الطائفيون

ثمة قواسم مشتركة بين لبنان والعراق، وهو ما ظهر جليا من خلال المطالب التي حملها المتظاهرون خلال الاحتجاجات في الشارعين اللبناني والعراقي. وإلى جانب الاستياء العميق تجاه الطبقة الحاكمة والظروف الاقتصادية الصعبة والفساد، تقف الطائفية على قمة أولويات ما يجب إزاحته من المشهد في كلا البلدين..

 

ومَنْ يُصدّق أن لبنان، البلد الذي كان من المفترض أن يكون ساحة/ واحة تنوير؛ فهو الأقدم في تواصله مع تراث التنوير الأوروبي منذ منتصف القرن التاسع عشر، هو البلد الذي فصل نظامه السياسي على مُحَاصصة طائفية يجري التأكيد عليها باستمرار.

 

أي إن البلد الأكثر استنارة ـ قياسا ببقية أقطار العالم العربي ـ هو ذاته البلد الذي تتشكل هوياته الاجتماعية، ومن ثم نظامه السياسي، على أساس تصورات طائفية وفقا لمشروع المؤرخ الصهيوني المتأمرك “برنارد لويس” الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعا كلا على حدة ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الأفريقي… الخ.

 

اقرأ أيضا: مطلوب نوبل للصبر المصري !

 

وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية ويعتمد على الولاء للجهة (القبيلة، القرية، البلدة، الصعيد، الدلتا).. الولاء للطائفة.. الولاء للمؤسسة.. كل هذه النزعات تعدل أيضا "الولاء والبراء" عند الإسلاميين..

 

ولا خير في دولة تُعلي كل هذه النزاعات على "المصلحة العامة" أي الفرز على أساس الكفاءة. والجهوية" مثل النعرات "الطائفية" تعتبر نقيضا لفكرة "المواطنة" ودلالة على التكلس عند مرحلة ما قبل الدولة الوطنية؟!

 

فقد انشغلت أوروبا لألف عام أو أكثر بقضية الوحدة السياسية للعالم المسيحي، وكان البابا هو نائب المسيح، وكانت الكنيسة الكاثوليكية هي تجسيد لتلك الوحدة، وكانت كلمة كاثوليكي تعني العالمية التي تجتاز الحواجز الجغرافية، ثم تعددت الكنائس بتعدد المذاهب، ثم اقتتلت فيما بينها في حروب بالغة البشاعة بين أبناء الدين الواحد، ثم اهتدت إلى القبول بمبدأ التعدد، ومعه جملة مبادئ التعايش المشترك والتسامح، حتى وصلت إلى المبدأ الذهبي المتمثل في حرية العقيدة..

 

اقرأ ايضا معارضة الخارج كالحمار يحمل أسفارا

 

فرفعت عن ضمير الفرد كل سلطان غير سلطان الاقتناع والصدق مع الله والنفس والنَّاس، وبذلك انتصرت لحق الإنسان في تدين حر خال من القسر والإكراه، ومن ثم خال من المداراة والرياء والنفاق وعلى الجانب الآخر. هناك أزمة حقيقية في التربية السياسية عند الإسلاميين، المران على فكرة القبول بالاختلاف السياسي، مهما كان حادا، وإدراك توابع قاعدة التعددية السياسية في المجتمع والدولة معا، وأيضا فكرة التنوع العرقي أو الطائفي أو حتى القيمي في المجتمع، وكيفية التعايش معه في مظلة ديمقراطية..

 

بل إن أصل الديمقراطية نفسه يحتاج إلى حسم لدى الإسلاميين، قبل الدخول في معترك السياسة، هل تقبل بالديمقراطية كمنظومة سياسية شاملة أم لا، لأن القبول بها يلزمك بالقبول بمقتضياتها وقوانينها الأساسية في محيط سياسي متنوع ومتنازع، من حق الجميع فيه أن يكون له رأيه، وأن يعبر عن رأيه وأن يدافع عن رأيه، ومن حقه أن يعارض الرئيس أو الحكم أو الحكومة أو النظام، أيا كان، وأن كون الرئيس أو الحكومة ينتمي إلى التيار الإسلامي لا يمنحه حصانة من النقد أو من المعارضة..

 

وأن فكرة ولي الأمر لم تعد لشخص وإنما لمؤسسات، وفق منظومة الدولة الديمقراطية الحديثة، أما فكرة ولي الأمر الشخص الآن فهي لصيقة بالنظام الديكتاتوري، سواء كان بقبعة عسكرية أو عمامة دينية ولا يريد نشطاء الإخوان - مثلا - أن يستوعبوا أن من وقفوا ضد الرئيس محمد مرسي وعارضوه وحرضوا ضده، هم أنفسهم من وقفوا ضد مبارك ونظامه وعارضوه وحرضوا ضده.

الجريدة الرسمية