رئيس التحرير
عصام كامل

سوريا والشرق الأوسط.. خطأ صعود الفاشية


من خلال المساعدة على تدمير السياسة العلمانية في الشرق الأوسط، أطلق الغرب العنان للصراع الشيعي- السني الذي يمزق المنطقة إربا الآن.

فليس هناك فكرة مفزعة أكثر من ضخ المزيد من الأسلحة في الحرب الطائفية الآن في سوريا.. ولكن هذا هو بالضبط ما تريد الحكومة الائتلافية في بريطانيا القيام به.. وبدا وزير الخارجية، ويليام هيج، يوم الإثنين يحاكي بشكل ساخر بطله الأصغر "بيت" من خلال المطالبة "إلى متى يجب أن نسامح...؟" و"ما نريد أن نراه هو...".. ولكن حتى "بيت" لن يكون بهذا الغباء أبدا بحيث يعلن الحرب على سوريا.


منذ عامين أعلن النقاد السقوط الوشيك للرئيس السوري بشار الأسد.. وبصعود الربيع العربي، أعلنوا أنه سوف يسقط حتما إما بسبب العقوبات الغربية أو بسبب وسائل الإعلام.

الأسد لم يسقط.. ويخوض الآن الانقسام الطائفي القاتل الذي عاد إلى الظهور منذ زوال الحكام المستبدين العلمانيين في المنطقة أمثال الشاه في إيران، نجيب الله في أفغانستان، صدام في العراق، مبارك في مصر والقذافي في ليبيا.. فكان لديهم أخطاء كثيرة، ولكنهم نجحوا في قمع الفتنة الدينية، وغرس التسامح البدائي وكان هذا في مصلحة الغرب، والحكام الموجودة في الخليج، والذين قدموا الدعم وفقا لذلك.

التحريض على سقوط هؤلاء الحكام المستبدين قد يثبت سوء التقدير الكارثي للدبلوماسية الغربية منذ صعود الفاشية.. فقبل حرب العراق، صدام اضطهد الشيعة، ولكن كانوا آمنين ومقاماتهم الدينية لم يمسسها أحد.. بعد الحرب، مزقت الطائفية بين السنة والشيعة العراق إربا، وتزايد عدد القتلى بشكل مروع.. وقد تشاهد هذه المعاناة المماثلة في أفغانستان.. أما طرابلس في ليبيا فهي غير مستقرة الآن بعد أن أطاح الغرب بالقذافي، فمقاتلوه الأصوليون نشروا الفوضى جنوبا عبر الصحراء إلى الجزائر ومالي ونيجيريا.

ولكن الثورات في تونس ومصر جاءت بالأحزاب الإسلامية إلى السلطة، لأنهم عرضوا الانضباط كبديل للأنظمة القائمة.. ولكن تلذذ الغرب المفاجئ بـ "حروب الاختيار"، وتدخلها في سياسة باكستان وقرعهم لطبول الحرب في إيران قد خلق سببا يلجأ إليه الإسلاميون المحافظون لإحكام قبضة حكمهم.

وكان تنظيم القاعدة في عام 2000 مجموعة صغيرة من المتعصبين.. وصورتهم أمريكا وبريطانيا على أنهم عدو قوي، ويدعم كل تمرد مناهض للعلمانية.. كاميرون يسميه بأنه "التهديد الإرهابي الوجودي..لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر لمصالحنا والحياة العامة".

سوريا في الوقت الحاضر هي بالتأكيد لها حق في الموارد الإنسانية في العالم، وأن تكرم من خلال دعم مخيمات اللاجئين ووكالات المعونة العاملة في المنطقة.. قمع الأسد للثورة وحشي مروع، لكنه كان صديق بريطانيا، كما كان صدام، هذا هو توضيح لكيفية سير الأمور في هذا الجزء من العالم.. فالغرب لا يمكن وقفه.. ويمكن أن نستنتج من ذلك عدم صحة عبارة "لا يمكننا أن نسمح لهذا أن يحدث" والتي تفترض وجود قوة للغرب على شئون الآخرين.

سوف تتدفق الأسلحة إلى سوريا ولكن ذلك لن يكون لإسقاط الأسد أو "دفعه إلى طاولة المفاوضات".. "هيج" يعرف هذا جيدا، كما أنه يعلم أنه ليس هناك أي وسيلة يمكن إرسال الأسلحة بها إلى المتمردين الجيدين وليس الأشرار.. لأنه يعلم أنه إذا كنت تريد فوز جانب واحد في الحرب الأهلية، فالطريقة الوحيدة الصادقة هي القتال مع هذه الجبهة.. وفعلنا ذلك في كوسوفو وليبيا.

الاختلافات بين السنة والشيعة، التي تمزق الآن الدول في الشرق الأوسط، أصبحت متأصلة في الإسلام.. كما أشار الباحث ماليس روثفن، إلى أن وعظ ونصيحة الغرباء بالتسامح لا فائدة منها.. فهذه الخلافات مستعصية على الحل.

المسيحية، بعد قرون من سفك الدماء المماثل، لقد تعلمت التسامح الديني (وإن كان في أيرلندا الشمالية، وبريطانيا الأمر يبدو أصعب).. ولكن الإسلام لم يفعل ذلك.. الترياق يكمن في صعود السياسة العلمانية.. هذه هي السياسة التي دمرت بها بريطانيا، العراق وليبيا، وهي الاعتقاد بأنها ستجلب الديمقراطية والسلام.. ولكنها جلبت الفوضى.

الحكم العسكري البريطاني ليس محكما أكثر من سياستها.. فإنه يعتقد أنه يمكن أن يهزم سوريا بالوكالة.. لكن إرسال الأسلحة لا يمكن أن يحدث فرقا، مثل الدعم الأمريكي لحركة طالبان في 1990، وفكرة أن "عدو عدوي يجب أن يكون صديقي" مما يجعلنا يمكن أن نرى القوات الخاصة البريطانية تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة في سوريا.

معظم الزعماء الأوربيين مشغولون بقضايا أخرى، ولكن فرنسا وبريطانيا، بتاريخهما في التوسع الإمبراطوري، لا يمكنهما الابتعاد عن الأمر حيث ترى فيه كل منهما مصلحة قومية وخطرا غير قائمين.

وفشل البلدان في تخفيف آلام سوريا ولكنهما عن سوء فهم وتقدير يعتقدان أن الحرب وتقديم المزيد من السلاح سيحل الأزمة.
نقلا عن صحيفة جارديان البريطانية
الجريدة الرسمية