رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمود فوزي يكتب: ليلة بكت فيها الروح الرياضية!!

د. محمود فوزي
د. محمود فوزي


منذ نعومة أظافرنا، ونحن نتعلم بالمدارس المصرية قيم الولاء والانتماء للوطن، والتضحية بكل غال ونفيس من أجل رفعته؛ حتى وإن كان الثمن هو روحنا، وذلك انطلاقًا من مسلمة أساسية غرسها المعلمون في قلوبنا قبل عقولنا، وهي: "أنه لا قيمة لحياة المواطن إن لم يحيا الوطن أجمع"، كما حرص المعلمون على غرس هذا المفهوم؛ عبر الأزمنة المختلفة؛ وفي مختلف أجهزة التنشئة الاجتماعية الأخري؛ من مسجد أو كنيسة، ونادي، وجامعة؛ إلى جانب الآباء في البيوت ؛ كأولي الوحدات الاجتماعية التي ينشأ فيها الفرد،ويستقي منها قيمه ومبادئه.

لقد ظل النظام التعليمي المصري متسقًا مع نظيره الإعلامي في ترسيخ هذه المعاني في نفوس وأذهان المصريين؛ سواء عبر المناهج الدراسية أو الأغاني أو الأعمال الدرامية التي يطلق عليها لفظ " وطنية"؛ مرددين شعار" لا صوت يعلو فوق صوت الوطن" حتى ظهر علينا منذ سنوات ضيوف ومذيعو برامج الإعلام الرياضي، وهم يحرضون المشاهدين على اعتناق قيم وأفكار شاذة ودخيلة على أعرافنا الاجتماعية، ومنها فكرة الاكتفاء بتشجيع الجمهور لفريقهم فقط في أي بطولة محلية أو أفريقية يشارك فيها، وتشجيع الفريق الأجنبي – أيا كانت دولته- في المباريات التي يلعب فيها ضد الفريق الوطني المنافس.

لقد ذهب أنصار هذا الاتجاه لمبررين غير منطقيين لتبرير موقفهم؛ يكمن الأول في التساؤل عن جدوي حصول الفريق المنافس على بطولات قارية تفوق ما يحصل عليه الفريق الذي انتمى إليه !!، بينما يكمن الثاني في انتشار هذه الظاهرة في شتى البلدان الأوروبية التي تمتلك فرقًا ومنتخبات رياضية تفوق مستوى الرياضة المصرية بمراحل ؟، ومن ثم لا مانع من حدوثها في مصر!!.

لذا لم يصبح عجيبا أن ترى جمهورا مصريا "زملكاوي" يشجع فريق النجم الساحلي التونسي للفوز على الأهلي، وأن تري أيضًا جمهورا مصريا " أهلاوي" يشجع فريق مازيمبي الكونغولي للفوز على الزمالك، في إطار فعاليات دوري أبطال أفريقيا للأندية أبطال الدوري.

ولأنصار هذا الاتجاه – وما أكثرهم الآن- أقول أنك تولد مصريًا متمتعًا بالجنسية المصرية وما تمليها عليك هذه الجنسية من حقوق وواجبات قبل أن تكون أهلاويًا أو زملكاويًا أو غيره فما هي إلا أسماء مستحدثة سميتموها بعد مئات السنين من تأسيس الدول، وما انزل الله بهذه الأسماء من سلطان لأحد أو من أحد، وإلا فلتتنازل عن حقوقك المصرية نظير ما سيمنحه لك فريقك من حقوق لا ينالها أحد إلا أعضاؤه من لاعبي وموظفي النادي !.
كما أن هؤلاء اللاعبين أنفسهم يسافرون للدول الأجنبية لأداء مبارياتهم الدولية بدعوى أنهم مصريون ويمثلون فرقهم أو منتخبهم المصري، فالإنسان في أي دولة بالخارج لا يسأل عن فريقه المفضل بل عن جنسيته.

أما عن تفشي هذه الظاهرة بالدول الأجنبية، فدعني أؤكد لك أن زواج المثليين، وشرب الخمر، وغيرها من الفواحش منتشرة بكثرة في تلك المجتمعات، بل وتحدث يوميًا كأمور طبيعية متسقة مع العديد من العادات والتقاليد المجتمعية الموجودة في هذه الدول، والتي لا تصلح بالطبع للتطبيق في مجتمعاتنا العربية، والعكس صحيح أيضًا، ومن ثم لا وجه إطلاقًا لطرح هذا النموذج للاقتداء به في تلك المسائل، لذا علينا أن نسمي الأسماء بمسمياتها الطبيعية دون خلط بين مفهوم "الروح الرياضية والخلق القويم" وبين مفهوم "التعصب والانتماء المزيف" الذي يقود المجتمع إلى التشتت والتفرّق.

قد تبدو الفكرة بسيطة في مجملها، ولكنها تحمل في طياتها ظواهر سلبية متعددة؛ يعاني منها المجتمع المصري كظواهر فساد الإعلام الرياضي وتلوّثه بغير المختصّين من الدارسين أو المهنيين؛ ممن يتم تعيينهم بوسائل الإعلام عن طريق الوساطة والمحسوبية، وكذلك ظاهرة غياب الرقابة الإعلامية على المضمون المقدم، والإجابة بسيطة، وهي تفعيل القانون على رقاب الجميع، وترسيخ ضوابط وقواعد مهنية لاختيار الإعلاميين، وفقًا لأسس موضوعية وحيادية.
الجريدة الرسمية