رئيس التحرير
عصام كامل

إسبانيا ومؤامرة التقسيم "١"


"كل يبكى على ليلاه".. العرب منهمكون فيما يشغلهم، وأوروبا لديها ما يكفيها، وآسيا من وضع القيام إلى استرخاء مفاجئ، وأمريكا الجنوبية ترتفع درجة حرارة الطقس السياسي بها إلى حد الغليان، وعلى المسرح السياسي الإسباني يقفز حزب "فوكس" اليمينى المتطرف إلى درجات أعلى مما كان ينتظر الحزب الاشتراكى الحاكم، وهنا مربط الفرس.


وصعود "فوكس" ليس قضية داخلية إذا ما تابعنا ماقاله "ستيف بانون"، المستشار السابق للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب": "هذا الحزب هو خميرة الصعود اليمينى المتطرف في أوروبا خلال السنوات القادمة".. إذن نحن على موعد غير سار مع خريطة جديدة من الصراع الحضاري، وما يستتبعه من صدام لايعلم منتهاه إلا الله.. اليمين لا يرى إلا ذاته، ولا يدور إلا حول نفسه، وفي الطريق لتحقيق ذلك له موقف متشدد من الهجرة، بل ومن الآخر؛ أيًّا كان لونه أو معتقده أو اتجاهه.

ورغم فوز الاشتراكيين بأغلبية إلا أنها غير مرجحة، بعد خسارته ثلاثة مقاعد مما كان يحتفظ بها في دورته السابقة.. "فوكس" اليميني المتطرف حصل على ٥٢ مقعدا بعد أن كان يحظى بـ ٢٤ مقعدا في الدورة السابقة، ليصبح القوة الثالثة على المسرح مع تراجع واضح لحزب "بوديموس" اليسارى، وانهيار لحزب "مواطنون"، ولكن ماذا يعنى ذلك بالنسبة للأزمة الكتالونية؟

تتجه الأمور في الداخل الإسباني إلى عقدة أكثر غموضا من تلك التي تعرضت لها البلاد سابقا، لتشكيل حكومة توافق خاصة مع تصاعد النزعة الانفصالية بإقليم كتالونيا، وتزايد حدة العنف القادم غريبا على الحياة السياسية في إسبانيا، ونشوء حالة من الغموض استطاع خلالها المؤيدون للانفصال استخدام الميديا بشكل أثار الغبار على الموقف الرسمي، خاصة مع تراجع تعاطيه الإعلامي إزاء ما نجح الانفصاليون في تصديره للعالم، وتحول الموقف الرسمى إلى مجرد رد فعل فقط.

الغوص في أعماق أزمة إسبانيا وسبر أغوارها يكشف أن أصل القضية هي التفسير المختلف عليه حول الديمقراطية كأداة حكم، وسبيل وحيد حتى تاريخه لإدارة الدول، وهو ما نتناوله في مقالاتنا القادمة.

(غدًا: هل تتعرض إسبانيا لمؤامرة تقسيم؟! ولماذا تتشدد الحكومة بعد استفتاء الانفصال؟! وهل تكيل أوروبا بمكيالين حول المعنى العام للديمقراطية؟!)
الجريدة الرسمية