رئيس التحرير
عصام كامل

في يوم مولده.. "الأخلاق هي الحل"


الكتابة في ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون مختلفة وغير تقليدية، وبعيدة عن الكلام التقليدي النمطي وخطب المناسبات المكررة للأئمة والمشايخ، والتي حفظناها من عشرات السنين وأصبحت مملة لا تغني ولا تسمن من جوع..


وحينما فكرت في الكتابة اليوم قررت أن تكون عن الأخلاق لأنها أزمة كل المجتمعات العربية والإسلامية، رغم أنها أساس الدين الإسلامي، وهدف الرسالة النبوية، حيث قال سيدنا "محمد" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وربنا سبحانه وتعالى وصفه بأنه "على خلق عظيم"، هذه الآية وردت في سورة "القلم"، وهي من أوائل سور القرآن الكريم التي نزلت على الرسول بما يؤكد على أهمية الأخلاق، وحتى الكفار الذين نشأ بينهم سيدنا "محمد"، كانوا يصفونه قبل نزول القرآن بهذه الصفة وأنه أيضا الصادق الأمين.

في المقال السابق تحدثت عن اخلاق بعض الشعوب الغربية حتى تلك التي لا تعتنق أي ديانة لأنها قيم إنسانية جميلة يولد بها الطفل، ثم تتأثر بالمجتمع الذي يعيش فيه إذا كان صالحا أو فاسدا، ومن باب أولى أن نتحلى نحن بمكارم الأخلاق والتي بعث رسولنا الكريم لإتمامها، لأن صاحب الخلق يجب أن يكون صادقا وأمينا ويتقن عمله ولا يسرق ولا يفسد ولا يكذب ولا يظلم ولا ينافق ولا يأكل حقوق الآخرين، ولا يعتدي على أحد وحتى في الظروف الاقتصادية الصعبة الأخلاق الحميدة تهون على المواطنين حياتهم وتجعلهم يتحملون مشاكلهم وأيضا يتحملون بعضهم، فالأخلاق هي الحل حتى تنهض مجتمعاتنا العربية.

وكما قلنا كل البشر يولدون بالقيم الإنسانية الجميلة ثم يتأثرون بالبيئة المحيطة بهم وأن الطفل الذي يولد في أوروبا وأمريكا واليابان وكوريا، لا يختلف عن نظيره الذي يولد في الصومال واليمن وأفغانستان، فالكل يتأثر بمجتمعه بدليل أن المواطن العربي حينما يعيش في المجتمعات الغربية، يكون مثلهم وأحيانا أفضل منهم وهناك نماذج عربية ومسلمة بالملايين، حققت نجاحات مذهلة على كافة المستويات في الغرب.

أزمة المجتمعات العربية في انهيار المنظومة الأخلاقية وهذا أخطر من الانهيار الاقتصادي، وعلاج الأمراض الاجتماعية أصعب من الاقتصادية، وبناء البشر أكثر صعوبة من الحجر، ومع ذلك ليس هناك مستحيلا فالمهم أن نبدأ وبالقدوة، وان يكون المتحدثون عن الأخلاق هم كذلك ولا يقولون ما لا يفعلون.

عشرات المؤتمرات الداخلية والخارجية نظمها وشارك فيها الأزهر جامع وجامعة، وكذلك وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى لشئون الإسلامية وأيضا دار الإفتاء المصرية، وانفقت الدولة مئات الملايين بل مليارات الجنيهات على مدار نصف قرن لمناقشة جميع القضايا المتعلقة بالأخلاق والسلوك والمعاملات..

ولكن للأسف النتيجة مزيد من التدهور، لأن هذه قضية مهمة لن تحل بمؤتمرات الشو الإعلامي، ولكن بمشاركة جميع مؤسسات الدولة بداية من الأسرة ثم التعليم الذي انتهى دوره تماما في التربية ثم الثقافة والفن والإعلام الذين أصبحوا معاول هدم وليس بناء، ثم يأتي بعد ذلك دور القانون وتطبيقه على الجميع بلا استثناء، ومن لم يرتدع بالقرآن يرتدع بالسلطان ومن لم يرتدع بالمعروف يرتدع بالقوة.

ومصر حاليا تشهد إقامة مشروعات كبرى أنفقت فيها أموال طائلة واستدانت من أجلها، ويتطلب لإدارتها والحفاظ عليها مجموعة كبيرة من الكوادر البشرية المؤهلة، والتي تتمتع أيضا بالأخلاق الجيدة حتى تستفيد البلد من هذه الإنجازات العظيمة ولا تذهب هباء، ولأنني لست فقيها دينيا ولكن أعتقد أن هناك حكمة من المولى تبارك وتعالى حينما أنزل آية الأخلاق في سورة "القلم" وكأنه ربط العلم بالأخلاق.

وتجارب الدول تؤكد أنه لا نهضة بدون القيم والأخلاق، ولا توجد دولة تقدمت بالقوة الاقتصادية أو العسكرية أو الموارد الطبيعية فقط ولكن بالأخلاق العلمية، لأنها تبنى الإنسان الذي يبنى كل شىء.

ومن أروع إبداعات أمير الشعراء أحمد شوقى «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وإذا أصيب القوم في أخلاقهم، فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا، صلاح أمرك للأخلاق مرجعه، فقوّم النفس بالأخلاق تستقم»، ويقول أمير الشعراء أيضًا «بالعلم والأخلاق يبنى الناس ملكهم لم يبن ملك على جهل وإقلال كفاني ثراء أنني غير جاهل وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال»

فالأخلاق هي الحل وكل عام وجميع شعوب العالم بخير وفي أمن وازدهار، بمناسبة ذكرى مولد نبينا صاحب الأخلاق العظيمة، وأتمنى أن يكون كل المسلمين أيضا على خلق عظيم مثل نبيهم الكريم.
egypt1967@Yahoo.com
الجريدة الرسمية