رئيس التحرير
عصام كامل

رسائل "منير" السياسية


شرفت بحضور الحفل الافتتاحى لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية الثامن والعشرين بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية يوم الجمعة الماضية، حيث تم تكريم مجموعة من رموز الإبداع العربى، على رأسهم "محمد منير" صاحب التجربة المتفردة في عالم الغناء بفلسفته التي قدمها على مدار أكثر من أربعة عقود، منذ المحاولة الأولى خارج السرب، وحتى اكتمال مشروعه الفنى، ليصبح سربا وحده، رغم ما شاب المشروع من غياب للرؤية في بعض مراحله.


"منير" جاء إلى خشبة المسرح "مسنودا" بعد إصابته بانزلاق غضروفى، وحرصه على المشاركة رغم ما بدا عليه من آثار إرهاق نالت من جسد نحيل كان دوما ذا حيوية نابضة على مسرح الحياة، بإطلالة أعلنت منذ البداية إيمانها بالإضافة، ورفضها "الكربون" إلا فيما ندر من تجربته الأخيرة بعد ٢٠١٠م، عندما بدا واضحا أن العقل المتمرد قد خبا، وأن الهوس بالجديد قد مل، مع صياغة كربونية مغايرة لواقع تجربته شانت بعض أعماله.

"منير" الذي ملأ الدنيا صخبا وجدلا وحوارا، غاير طبيعته منذ عزوفه عن التعليق على ما جرى في يناير وما تلاها، رغم إدراكه لخطورة ذلك على أجيال آمنت به صوتا لها معبرا عن آمالها وطموحاتها، فخسر ما خسر، رغم ثراء التجربة ونضجها، واعتبارها مشروعا فنيا مهما في تاريخ الغناء العربى، الذي غاص فيه من المحيط إلى الخليج، وقدم خلاله دررا فنية يصعب تكرارها في المستقبل القريب.

أطل "منير" على جمهوره هذه المرة بمجموعة من الرسائل المهمة، عابرا فوق الأشواك من حلب إلى أرض الحجاز، مارا بما يجرى على أرض العروبة، متمنيا إزالة الحدود بين العرب، سابحا في نيل مصر المهدد بالخطر، ومعلنا عن رغبة مباشرة في طرح رؤية سياسية "مباشرة أيضا"، رغم سنوات عمره التي قضاها "طوافا" بين دهاليز التعابير الكامنة، و"المواربة" التي تحمل مضامين ذات مغزى أعمق من الإباحة!!

بدا "منير" منهكا، سعيدا، قافزا فوق آلامه، مختزلا ما قدم هو وزملاؤه من جيل المشروعات الفنية التي استطاعت أن تشكل وجدان أجيال متعاقبة، بوصفه لها "المشروع البديل" أو "الأغنية البديلة".. الحوار الذي جرى بين "منير" وهو على "مقعد" فوق المسرح -لأول مرة ونتمناها الأخيرة فوق المقعد- كان ثريا، وناضجا، وذكيا، من جمهور عشق "منير" منذ "علمونى" وحتى صعوده على المسرح "مسنودا".

طاف "منير" وحلق بصوته وموسيقاه بسماء حلب، وعاد إلى ثلاثينيات القرن الماضى مذكرا أشقاءنا السعوديين بهوية تمنى استعادتها، وهى ذات الأمنية التي رددها الحضور ذاتيا ل"منير"، كي يعود مرة أخرى منتصبا فوق المسرح، شامخا بذات الأدوات التي آمن بها، ليخرج من لآلئ التراث العربى ما يستطيع أن ينفض عنه الغبار، ويعيده منتجا جديدا وفق معاييره التي أرساها على مدار أكثر من أربعين عاما من النضال الغنائى المتفرد.
الجريدة الرسمية