رئيس التحرير
عصام كامل

احتشمي أنت.. قانونك عنصري وهابي!


عشت وشفت المينى جيب، والميكروجيب، ومن بعدهما جاءت موضة الشانيل، يعنى تغطية كاملة قرب الكعبين، وكان ذلك في أصعب أيام وسنوات الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ١٩٧٠، وكانت زميلاتنا في كلية الآداب جامعة القاهرة يلبسن فوق الركبة بشبر وشبرين..


في البداية، كطلاب من الأقاليم، كنا نحملق، لا لأن المنصورة مثلا لم تلبس بناتها القصير والقصير جدا، بل لأننا لاحظنا أن الميكروجيب القاهرى كان مختلفا.. أو مبالغا فيه، ومع ذلك فلم نكن حيوانات ولا همجا ولا متنمرين ولا متحرشين، ومع الوقت اعتادت عيوننا ما تراه.. ثم تغير كل شيء مع عودة بعثات الفقر والعوز من حقول النفط؛ فعادوا بأجهزة التسجيل والحصير البلاستيك الملون والمروحة.. والوهابية!

من يومها انقلب حالنا وتبدل رداؤنا رجالا ونساء.. وتفشت الأفكار الظلامية..

ولا يزال الوطن في هويته السياسية والأمنية مطعونا، ولا يزال المجتمع في هويته الثقافية يعانى ازدواجية قاسية باهظة الثمن. الوطن يدفع الثمن دماء واقتصادا والمجتمع يدفع الثمن تخلفا وتراجعا.. ويتضاعف الثمن حقا حين يأتى البلاء من النخبة..

والحق أن النخبة المصرية مبتلاة بالقصور المعرفى وقصر النظر وضبابية الرؤية وغشامة وقتامة، لأنها لا تقرأ وتعتمد على موروث مشوش، وتتراقص مواقفها وفق مصالحها، وهذه النخبة المريضة ساقت مصر كلها إلى احضان الجماعة الإرهابية الإخوانية..

وقبل أيام تقدمت النائبة "غادة عجمى" بمشروع قانون مكون من ١١ مادة إلى البرلمان. المشروع لحماية الذوق العام والاحتشام قولا وفعلا. وفي مادته السابعة يخول وزير الداخلية والجهات المعنية وضع آلية ضبط وتنفيذ المواد..

ضبط؟

والغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه.. ليس مهما الغرامة.. بل المهم الخطير تشكيل آلية ضبط. المصريون يترجمون اللغات الملتوية ترجمة سريعة.. وهكذا اعتبروها جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.. وهابية مصرية في إطار الشرعية !

ولنا ملاحظات:
من حق النائب أن يتقدم بأفكار ومشروعات قوانين، ومن واجبه أيضا أن يكون ذا عقل وبصيرة ورؤية للأوضاع. والوضع لا ينقصه هذا الخازوق التشريعي المقترح، وعلى النائب عن الشعب أن يكون ذا قدرة على الفهم، فيفهم أن مشروعا كهذا يخدم السلفيين والوهابيين ويكرس اداة تخويف وملاحقة في المولات والمسارح والأسواق والميادين والشوارع.

وتخيلوا جهازا كهذا.. ممن يتألف وماهى رمزيته وسياراته... وأدواته..

"الحشد الشعبي" العراقي بدأ هكذا.. والآن هو "حزب الله" المستعفى في بغداد على بغداد وكل العراق! وهل الملاحقة للرجال أيضا؟ واذا كانت عبارات غير لائقة مكتوبة على التشيرتات.. لأن من يرتديها لا يعرف معناها.. فمن سيترجم ومن سيعاقب وحتى لو نصح في البداية ثم عاقب لاحقا فنحن أمام وضع أمني كارثى ينذر بانفجار وسخط شعبي نحن في غنى عنه.

كل واحد مسئول عن الاحتشام أو التعرى النسبى في بيته. الأب هو المسئول، ولن يوافق البرلمان على مشروع يولد لنا أبا موازيا في الشارع ينازع الأب الطبيعي سلطته، ويجعل بيد الأب التخليقي عصا يلاحق بها العصاة.

ما منظرنا في الخارج؟ ما تأثير ذلك على السياح والسائحات... وهل سيطبق جغرافيا؟ هل سنطلق على شرم والغردقة ومارينا قوافل الضبط والملاحقة؟

مالكم؟ أفلا تعقلون؟

نساء مصر حتى الستينيات كن هوانم راقيات في الملابس، ولم يكن في حال الدهولة الشائعة حاليا.. كانت الأخلاق في مكانة عالية لأن آلية الضبط الاجتماعى كانت البيت والدين والمدرسة والإعلام..

غادة عجمى.. مش وقته.. لا في هذا القرن ولا القرن القادم.. قدميه في القرن بعد القادم.. واحتشموا.. فلا تتلبسوا أفكار السلفية...

للشهرة أبواب أسرع.. لا حاجة بنا إلى قنابل فشنك!
الجريدة الرسمية