رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة في لبنان بين النظام الطائفي أو الفوضى


نجحت الثورة في لبنان في تحقيق أول أهدافها بإسقاط الحكومة التي جوّعت اللبنانيين، ورعت الفساد، وراحت تبحث عن سبل تقليص مرتبات اللبنانيين، بينما يتقاضى كل نائب برلماني في المتوسط 6000-8000 دولار شهريًا طوال حياته حتى وإن تم انتخابه لدورة واحدة.


استقالة رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" أمس نقلت الثورة في لبنان إلى مرحلة جديدة، فإسقاط الحكومة كان أقل مطالب الثورة خطورة، فالثورة تطالب بحكومة تكنوقراط محايدة، وانتخابات برلمانية مبكرة، ومحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، والقضاء على الطائفية ومحاسبة جميع الزعماء تحت شعار "كلن يعني كلن".

ورقة الإصلاحات الاقتصادية التي قدمها رئيس الوزراء قبل عشرة أيام لم ترضِ الثائرين في الميادين، وقد تضمنت خطوات لم يكن يحلم اللبنانيون بها، لكن انعدام الثقة في الحكومة جعل هذه الورقة الإصلاحية حبرًا على ورق ولسان حال الثورة يقول "ما كان مستحيلا خلال سنوات، أتى به "سعد الحريري" كلبن العصفور في أقل من ثلاثة أيام".

وفقًا للدستور اللبناني، فإنها في حالة استقالة رئيس الوزراء تستمر الحكومة الموجودة كحكومة "تصريف أعمال" إلى أن يتم تشكيل حكومة جديدة، ويقوم رئيس الجمهورية بما يطلق عليه "الاستشارات النيابية" والذي يختار فيه أو "يسمي" من خلالها النواب رئيس الحكومة الجديد.

المشكلة أن الثورة في لبنان قد لا تعترف بالاستشارات النيابية لأنهم يعتبرون مجلس النواب معدوم الثقة، فمجلس النواب جزء من النظام التي تريد الثورة إسقاطه.

إذا أراد رئيس الجمهورية تنفيذ مطالب الثورة فعليه أن يختار رئيس وزراء محايد بغض النظر عن ديانته أو مذهبه. فوفقًا لاتفاق الطائف الذي كرس الطائفية، يجب أن يكون رئيس الوزراء في لبنان مسلمًا سنيًا. الثورة في لبنان تطالب بإسقاط النظام الطائفي، وهو ما يعني إسقاط اتفاق الطائف الذي يشترط أن يكون رئيس الجمهورية مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلمًا سنيًا، ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا.

المعلومات التي نقلتها المصادر المتعددة تقول أن رئيس الجمهورية لم يكن مع استقالة الحكومة، بل رفض أية تعديلات وزارية بسبب صهره "جبران باسيل" وزير الخارجية في الحكومة، فكيف سيخالف الدستور من أجل عيون الثورة والثوار ومطالبهم تطالب بالإطاحة برئيس الجمهورية نفسه لأنه أحد أضلاع النظام الطائفي؟

هناك قائمة بأسماء من يطالب الموجودين في الميادين بمحاسبتهم، من بينهم "جبران باسيل" وهو صهر رئيس الجمهورية، فهل يضحي رئيس الجمهورية بصهره؟ من بين الأسماء أيضًا، رئيس مجلس النواب "نبيه بري"، فهل يضحي "حزب الله" بحليفه من أجل ثورة يشكك الأمين العام لحزب الله السيد "حسن نصر الله" في أهدافها الحالية.

يطالب الموجودون في الميادين بمحاسبة أمين عام "حزب الله" فهل يضحى جمهور "حزب الله" بزعيمهم؟

لبنان على بعد أيام من انهيار الليرة حسب التقديرات. تمسك رئيس الجمهورية بالنظام الطائفي، والتذرع بالدستور واتفاق الطائف الذي تطالب الثورة بإسقاطه للقضاء على الطائفية، ومحاسبة رموز النظام الذي رعى الفساد لن يرضى الشارع في لبنان.

خدعوك فقالوا إن الجميع يكره النظام الطائفي في لبنان، فالزعماء السياسيون والأحزاب الموجودة حاليًا تستفيد منه، فالقوات اللبنانية تغذي الهجوم على "حزب الله" وأمينه العام، لكنك لا تسمع في مناطقهم "بذوق مصبح"، و"جل الديب" مطالب بمحاسبة رئيس القوات اللبنانية "سمير جعجع".

هناك الكثير من المستفيدين من النظام الحالي في لبنان وعلى رأسهم "حزب الله" الذي قد يسيطر على لبنان حال تم استهداف سلاحه بأي شكل من الأشكال، وهو ما يدفع لبنان إلى صراع بين "حزب الله" والجيش، في حال انضم الجيش لمطالب الموجودين في الشارع.

لا أحد يعرف إلى أين يتجه لبنان، فهناك سيناريوهات متعددة، فالثورة بدأت عفوية بمطالب محقة باعتراف الأمين العام لـ"حزب الله" وما أن حملت شعارًا "كلن يعني كلن" أصبحت تحمل أهدافا حزبية وخارجية. وقد يكون الأمر كذلك، فالسياسة في النهاية تقوم على المصالح.

بعد إسقاط الحكومة، دخل لبنان مرحلة خطيرة، لن يهتم فيها أنصار النظام الحالي بالكهرباء ولا بالماء، ولا بالخبز ولا بالهواء، في سبيل المحافظة على "الطائفية". اسال محسوبي الطوائف عن زعمائهم سيقولون لك إن النظر في وجه زعيمهم يضيء لهم بيوتهم. هكذا هو النظام الطائفي، الطائفة فيه هي البيت والوطن.

من الآن فصاعدا سيكون الاختيار في لبنان بين المحافظة على النظام الطائفي بما فيه من فاسدين كما هو –فالفساد أحب إلى قلوب من كانوا يشتكون منه من إنهاء الطائفية- وبين الفوضى تجتاح لبنان وتحرق جميع من فيه.
الجريدة الرسمية