رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

"الحريري" ألهب الشارع وبقيت المخاطر


أدار النظام الحاكم في لبنان ظهره للشارع، وترك الانتفاضة الشعبية تتمدد، وكلما مر يوم يزيد الحراك من ضغطه، بغلق الطرق، الإضراب عن العمل، شل مظاهر الحياة في البلد، فاضطرت الحكومة إلى إيقاف الدراسة في المدارس والجامعات، كما توقفت جميع المصارف عن العمل وأغلقت أبوابها، ليس خوفا من الحراك، بل خشية سحب المودعين والمستثمرين أموالهم، ما يعجل بإشهار لبنان إفلاسه.


اتضح خلال 13 يوما من الانتفاضة الشعبية، أن رئيس الوزراء "سعد الحريري" كان الأكثر ديناميكية وإيجابية وتحركا لإرضاء الشارع، والسعي لإيجاد حلول تقنع شركاء الحكم، دعم تحرك الشعب بداية وطلب مهلة 72 ساعة فقط، موضحا أنه سعى للإصلاح لكنه مكبل اليدين والعراقيل توضع في طريقه، مع هذا أعلن عن لائحة إصلاحية تنفذ فورا، قدم من خلالها تنازلات غير مسبوقة، لكنها لم تقنع الشارع، الذي طلب إسقاط الطبقة الحاكمة كلها، وحين ألقى "حسن نصر الله" كلمة تهديدية، هتف الشارع "كلن يعني كلن... ونصر الله واحد منن"، ليقينه أن مقاليد حكم لبنان في يد "نصر الله"، ينفذ من خلالها أجندة إيران.

في المقابل انتظر رئيس الجمهورية "ميشال عون"، 8 أيام ليطل على الشعب في كلمة موجزة، كرر فيها ما جاء في اللائحة الإصلاحية التي قدمها "سعد الحريري"، مؤكدا أن "النظام لا يتغير بالساحات"، رغم أنه وصل إلى الحكم عن طريق احتجاجات شارع حاشدة، قادت إلى تسوية أوصلته للرئاسة، كما أشار "عون" إلى أن لديه ضغوطا تمنعه من اتخاذ القرار!

نفهم أن تحالف رئيس الجمهورية "عون" وصهره "جبران باسيل" مع قطبي الشيعة "حسن نصر الله"، ورئيس البرلمان "نبيه بري"، هم من يضعون العراقيل في طريق "سعد الحريري" "السني"، لأنه يرفض تحالفهم مع إيران والنظام السوري.. لكن من يضغط على الرئيس "ميشال عون"، وإذا كان "عون" و"الحريري" عليهما ضغوط، فمن الذي يحكم لبنان على أرض الواقع؟

كلمة "عون" المخيبة للآمال زادت إصرار الشعب، على إسقاط النظام، لكنها أتت بإيجابية لم تحدث من قبل، إذ ألقى "حسن نصر الله" كلمة ثانية مختلفة تماما عن الأولى التهديدية، داعيا الحكومة إلى إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، وإرضاء الشعب الذي يعاني من كثرة الأزمات، كما وضع إلى جانبه للمرة الأولى علم لبنان، وهو الذي يضع بجواره دائما راية "حزب الله". لم يكمل "نصر الله" خطابه المنحاز للمحتجين إلى النهاية، بل ضمنه أربعة لاءات "لا نسمح بالذهاب إلى الفراغ، لا نقبل بإسقاط العهد، لا نؤيد استقالة الحكومة، ولا نقبل بانتخابات مبكرة لأنها معقدة".

وجاءت الطامة الكبرى، عندما تحدث "نصرالله" عن الوطنية والانتماء، متهما المحتجين بأنهم ممولون من سفارات عربية وأجنبية، لتنفيذ أجنداتها الخاصة في لبنان! قد يكون حديث الوطنية والانتماء مقبولا من أحد آخر، لكنه غير مقبول من "بوق إيران" نصرالله، لأنه في كل خطاب، يعلن أن تمويل "حزب الله" من الألف إلى الياء من إيران، ويتفاخر بأنه "أحد جنود الولي الفقيه على خامنئي"، ولم يخجل حين اعتبر خامنئي "حسين العصر الحديث".

وسط هذه الأجواء وانسداد الأفق السياسي، نفدت المحروقات من بعض المناطق، وأعلنت الحكومة أن مخزون القمح لا يكفي أكثر من 20 يوما، وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار من 1513 إلى 1777، ما جعل حاكم مصرف لبنان المركزي "رياض سلامة"، يعلن "إن أيامًا معدودة تفصل الاقتصاد اللبناني عن الانهيار، داعيًا إلى تغيير سريع في الحكومة بشكلٍ يُرضي المتظاهرين ويمنح الثقة في العملة، ويضمن عدم نفاد التدفقات المالية التي يرسلها العاملون بالخارج ويقنع أصحاب الودائع بعدم سحب أموالهم من المصارف المغلقة عمدا، حفاظا على ما لديها من مال".

لم يأبه الحراك بالتحذيرات وزادوا اصرارا على مطالبهم، فاعتدى عليهم عناصر حركة أمل الشيعية ومليشيا "حزب الله"، وحرقوا الخيام التي يعتصمون فيها، ولولا تدخل الأمن لفض الاشتباك بين المعتصمين والمعتدين، لحدث ما لا يحمد عقباه.

أمام هذه التطورات المتتالية قرر رئيس الوزراء "سعد الحريري"، إرضاء الشارع وأعلن في كلمة موجزة "أن الشعب اللبناني كان ينتظر منذ 13 يومًا قرارًا سياسيًا يوقف التدهور الحاصل، وقد حاولت الوصول إلى مخرج، إلا أنني وصلت إلى طريق مسدود.. أضع استقالتي بعهدة الرئيس "ميشال عون" واللبنانيين، فلا أحد أكبر من بلده.. مسؤوليتنا حماية لبنان ومنع وصول الحريق إليه والنهوض بالاقتصاد".

ألهبت استقالة "الحريري" الشارع، فضج بالاحتفال لتحقيق أول مطالبه، معلنا فتح الطرق وإنهاء الإضراب، لكنه لن يترك الساحات ولن ينهي التظاهرات، إلى أن تتحقق جميع مطالبه.

وضح من استقالة "الحريري" أنها قرار فردي لحماية البلد والشعب، بدليل أن وزيرة الداخلية "ريا الحسن"، وهي من "تيار المستقبل" التابع لـ"الحريري"، قالت فور استقالته، إن الرئيس "الحريري" حمى البلد من حرب أهلية كادت تنزلق إليها بعد اعتداء عناصر "حزب الله" و"حركة أمل" على المعتصمين وحرق خيامهم. كما استغرب وزير الدفاع "إلياس بو صعب" من الاستقالة، موضحًا "لم ينسق معنا مسبقًا بشأن الاستقالة، لأنّها خطوة تقود إلى المجهول".

"الحريري" تحمل مسؤوليته التاريخية أمام الشعب مثلما تحملها والده من قبل، ضحى بنفسه في وقت تقاعس فيه الجميع، لكن استقالة "الحريري" وإن أرضت الشارع ولبت مطلبه الأول، لكنها لن تمنع المخاطر الجمة التي تحيط بالبلد، بانتظار أن يتحمل البقية مسؤولياتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وان كنا نشك في أن يضحي "حسن نصر الله" وحليفه "نبيه بري" وكذلك "جبران باسيل" صهر رئيس الجمهورية، مثلما ضحى "سعد الحريري".
Advertisements
الجريدة الرسمية