رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة كرسي «مال الله».. 15 رئيسًا لـ«هيئة الأوقاف» خلال 40 عامًا.. والسرقات «عرض مستمر».. الرئيس السابق للهيئة تسبب في خسائر بالملايين بالتواطؤ مع الـ«10 الكبار»

وزارة الاوقاف
وزارة الاوقاف

ما بين مهندس ودكتور أو لواء، وعلى مدار أربعة عقود، تعاقب على هيئة الأوقاف ما يزيد على 15 رئيسًا، يتم اختيارهم من وزير الأوقاف بعد تصديق رئيس مجلس الوزراء، أو بتكليف مباشر من رئيس الجمهورية، لإدارة هيئة الأوقاف المصرية، التي أنشئت بالقانون رقم 80 لسنة 1971 إدارة مال وعقارات وأراضي الوقف الخيري، والتي تقدر بتريليون و37 مليارًا و370 مليونًا و78 ألف جنيه، يوزع ريعها على الطبقات الأكثر فقرًا واحتياجًا، وصرفها في مجالات صيانة المساجد وعمارتها تحت إشراف مباشر من ناظر الوقف.


وبتتبع تاريخ الذين جلسوا على كرسي الهيئة - باستثناء أبنائها، نجد أنهم كانوا أبعد ما يكونون عن فهم أمورها وتعقيداتها المختلفة وحجم ثرواتهم في الداخل والخارج، وطبيعة عمل الموظفين في الهيئة، وآلية عمل المحصلين في المحافظات المختلفة والأرقام الفلكية التي تحتاج إلى فترة طويلة من التدقيق والتمحيص لإمكانية وضع خطط عمل مستقبلية، ومن ثم كانت تقتصر المعلومات لدى البعض على ما ينقله الموظفون والعاملون، والبعض كان يخشى من التوقيع على أي ورقة خوفا من العقاب.

هزات عنيفة
ونتيجة لعدم تخصص رؤساء الهيئة في إدارة «مال الله» تعرضت الهيئة لهزات عنيفة، يمكن القول إنها أفقدتها جانبا كبيرا من مصداقيتها في الشارع المصري، وكان أغلبها إما للاستعانة بشخصيات غير مؤهلة - لإدارة ملف من أخطر ما يكون - من خارج دولاب الهيئة، ما ينتج عنه تخبط في القرارات كما حدث أثناء العام الذي تولى فيه الرئيس المعزول، محمد مرسي، والاستعانة بالدكتور أسامة كمال، الذي كان منتدبا من وزارة الزراعة، وإما لقضايا فساد تتعلق برؤساء مجالس الإدارة، والتي كان آخرها إعفاء الدكتور أحمد عبد الحافظ، رئيس مجلس الإدارة السابق بسبب ملف بيع بعض أسهم هيئة الأوقاف ببنك الإسكان والتعمير، وشراء أسهم أخرى بالأمر المباشر، ما دفع الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف إلى إحالة الملف إلى النائب العام.

إعلانات الوقف
الهزات العنيفة التي تكبدتها الهيئة على مدار تاريخها، دفعت الدكتور أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية، ليشدد على أهمية عمل إعلانات لجذب المواطنين لوقف أموالهم من جديد، بعدما أحجم الناس عن ذلك، وقال موجها حديثه لمسئولي الهيئة أثناء إحدى جلسات مناقشة مشروع قانون تنظيم هيئة الأوقاف: «اعملوا إعلانات وحاولوا تتآلفوا مع الناس اللى معاها أموال حتى نجذبها للوقف، ولا بد من حملات إعلامية واسعة لإعادة نشر ثقافة الوقف كل الأوقاف التي نشتغل فيها حاليا قديمة وليست حديثة ومش عارفين نجيب الناس تانى للأوقاف».

41 وقفا جديدا
إلا أن وزير الأوقاف عاد وأكد أن الوزارة شهدت إشهار أوقاف جديدة بلغت 41 وقفًا جديدًا تشمل أراضي زراعية بمساحة 13 فدانًا و18 قيراطًا و13 سهمًا، وأربع عقارات سكنية، وعدد 2 شقة سكنية بمدينة نصر، بالإضافة إلى شهادات استثمار بإجمالي 6987400 ستة ملايين وتسعمائة وسبعة وثمانون ألفا وأربعمائة جنيه.

وفى هذا السياق أكد الدكتور عمرو حمروش، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب، أن «ثقافة الوقف أصبحت معدومة خلال العقود الأخيرة، نظرا لأن الناس قد شاهدوا عبثا بأراضي الأوقاف فقلت الخيرية في ذلك الجانب، أما عندما يشاهد الناس ضوابط وقانونا واستغلالا أمثل مع وجود ناظر للوقف يحافظ على كل شبر من ممتلكاته فإن ذلك يعطي طمأنينة لهم من أجل تفعيل هذا المنحى الخيري من خلال تفعيل القانون الجديد»، مؤكدا أن قانون تنظيم «هيئة الأوقاف» بمثابة طريق جديد تسلكه الهيئة لمواجهة التحديات التي تواجه الممتلكات ومواجهة الأساليب الملتوية والمختلفة التي يتبعها البعض لنهب مال الله، والتأكيد على أن القانون يتوافق مع «شرط الواقف» لأن «شرط الواقف كنص الشارع».

الـ10 الكبار
الأزمة الأخيرة في مسلسل كرسي هيئة الأوقاف والتي تعرف إعلاميا بـالـ «10 الكبار في الهيئة» وتعود لرئيس الإدارة المُقال، الدكتور أحمد عبد الحافظ، والذي تسبب في خسائر فادحة للهيئة، بعد قرار بيع أسهم مملوكة للهيئة في بنك التعمير والإسكان، بقيمة 8 ملايين بالأمر المباشر دون الرجوع إلى مجلس الإدارة أو الوزير، باعتباره ناظر الوقف، مما ترتب عليه حرمان الهيئة من قيمة الأرباح المحققة الموزعة على المساهمين بقيمة إجمالية مقدارها ما يزيد على 20 مليون جنيه.

واتخذ الرئيس «المقال» قرار بيع ما يزيد على 11 مليون سهم مملوكة للهيئة بسوق رأس المال، مقابل مبالغ مالية إجماليها ما يزيد على 470 مليون جنيه، بموجب أوامر بيع صادرة عنه منفردًا لشركات تداول الأوراق المالية المتعاقدة مع الهيئة، كما اتخذ إجراءات شراء عدد ما يزيد على 65 مليون سهم لصالح هيئة الأوقاف المصرية، بقيمة إجمالية تزيد على 826 مليون جنيه لشركات تداول الأوراق المالية المتعاقدة مع الهيئة ودون عمل إجراء دراسات فنية واقتصادية ومالية تؤكد جدوى تنفيذ تلك العمليات، وتقطع بالنفع من ورائها بما يحقق سلامة الاستثمار، ودون موافقة مجلس إدارة الهيئة قبل تنفيذ عمليات البيع أو الشراء باعتباره السلطة المختصة.

النائب العام
وأحال وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، ملف بيع بعض أسهم هيئة الأوقاف ببنك الإسكان والتعمير وشراء أسهم أخرى بالأمر المباشر إلى النائب العام، كما قرر مخاطبة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات والنيابة الإدارية للتحقيق في واقعة بيع أسهم هيئة الأوقاف المصرية، ببنك التعمير والإسكان، دون العرض على مجلس إدارة الهيئة، أو مجلس وكلاء الأوقاف، أو لجنة الاستثمار بالهيئة وذلك بعد لجنة تحقيق استمرت 3 ساعات برئاسة الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بالأوقاف.

رشوة
قضية ثانية تكشف لعنة «كرسي الهيئة» والتي تعرف إعلاميا بـ«رشوة الكبار» والمتهم الأول فيها ماجد.غ، رئيس مجلس الإدارة الأسبق، والمتهم فيها بتسهيل الاستيلاء على أراضي الدولة مع رئيس الإدارة المركزية للملكية العقارية، ومدير عام الملكية العقارية بهيئة الأوقاف، في القضية رقم رقم 2969 لسنة 2019 حيث أحال النائب العام القضية للجنايات، وطالبت النيابة بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين الأربعة في القضية، ليكونوا عبرةً لغيرهم، وردعًا لكل من تسول له نفسه بالتلاعب في أموال الدولة.

وقالت النيابة في التحقيق: إن «المتهمين من الأول إلى الثالث، ارتكبوا جرائم التزوير والتلاعب بدفاتر ومحررات رسمية، باعتبارهم موظفين بهيئة الأوقاف المصرية، مقابل تقاضى رشوة من المتهم الرابع»، وجاء بتحقيقات نيابة الأموال العامة، أن المتهمين بصفتهم موظفين عموميين من الأول حتى الثالث حصلوا لغيرهم بدون حق على منفعة من أداء أعمال وظيفتهم، بأن حصلوا للمتهم الرابع على قطع أراضي التابعة لوقف محمد حسن الأنصاري الشهير، حيث قاموا بالتزوير بالبيانات وتحريرها المختصين بوظيفتهم وكان ذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقع، صحيح، بأن أخبرت المتهمة الثانية مراجع أعمال منطقة أوقاف الإسكندرية بإدارة الاستبدال بديوان هيئة الأوقاف المصرية أن السعر الأساسي المقدر من لجنة الاستبدال للممارسة هو مبلغ 125 جنيها للمتر المربع على خلاف حقيقة كونه 175 جنيها للمتر المربع.

ضياع المصداقية
مصدر مطلع بهيئة الأوقاف قال: «بعض الذين جلسوا على كرسي الهيئة كانوا سببا في ضياع مصداقيتها في الشارع، فمن يجلس على الكرسي يبحث عن أكبر قدر من المكافآت التي سيحصل عليها، لأنه يعلم في قرارة نفسه أن مدته على الكرسي قصيرة، ولم نجد أي من الرؤساء السابقين يحمل رؤية للتطوير فيما يتعلق بأراضي الوقف أو شراء مشاريع جديدة تصب في مصلحة الوقف أو وضع خطط استثمارية تعظم دخل الوقف وتعلي من قيمته.

وأضاف: من أكثر الرؤساء الذين تسببوا في خسائر للهيئة خلوصي أحمد، الذي تولى الهيئة نهاية التسعينيات واشترى مصنع سجاد دمنهور، وكبد الهيئة خسائر فادحة بعد أن اشترى المصنع بالعمالة الموجودة فيه 700 عامل، وحمل الهيئة تكاليف المرتبات والمعاشات، والمصنع تحول إلى خرابة نتيجة تكهين الماكينات الألمانية التي استوردها من الخارج واتضح أنها غير مطابقة للمواصفات.

وعن مسئوليات وأعباء رئاسة الهيئة، قال الرئيس الحالي المهندس سيد محروس: يوجد أعباء ومسئوليات ومشكلات كبيرة جدا، لكن لأنني واحد من أبناء الهيئة، يمكن القول إن الموضوع ليس بجديد على والحمد لله يوجد سهولة في التعامل وتعاون فريق العمل الموجود معي، لأن الفريق الذي يؤدي العمل في الهيئة يعمل بروح الجماعة، وأتمنى تحسين وضع العاملين في الهيئة ولن يحدث ذلك إلا بزيادة الإيرادات وزيادة الاستثمارات في المجالات المختلفة، ونجتهد لرفع تلك النسبة في الفترة المقبلة واختتم حديثه قائلا: «أنا شغال بنفس الموظفين في الهيئة، ولن يرفع الهيئة غير الناس الذين يعملون فيها، لأن التعامل مع أموال الوقف يحتاج معاملة خاصة».

تجدر الإشارة هنا إلى أن الوقف الإسلامي يلعب دورا مهما في البناء الاجتماعي والاقتصادي للدولة المصرية، فقد مثلت نسبة الأراضي المصرية الموقوفة في وقت سابق 40% من جملة الأراضي الزراعية، ولذلك عزمت وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة الاتصالات وهيئة المساحة على إصدار«أول أطلس حديث» يتضمن حصرا شاملا لجميع ممتلكات الوقف لمعرفة أدق التفاصيل عن كل قطعة حال الرجوع إليه في أي وقت، ليكون صمام أمان للوزارة في استرداد الأراضي وذلك بعد إصدار أول أطلس مطبوع في عام 1924 في مطبوعين الأول يضم أملاك الوجه البحري والثاني أملاك الوجه القبلي.
الجريدة الرسمية