رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

معركة المنصورة.. كنت هناك!


دائما المنصورة في معركة، بل في القلب من كل معارك مصر، ولأننى ولدت وعشت وكبرت وتعلمت في المنصورة، وبالذات في حى "عزبة عقل"، فإن حروب الطيران المصرى كانت دائما تهز أركان وقواعد بيتنا.. وقلوبنا.


كل شباب المنصورة في ذلك الحين، قبيل يونيو الأسود في عام ١٩٦٧ كان يعرف أن في "شاوة" مطارا عسكريا كبيرا، في بلدة "شاوة" القريبة جدا من "سندوب" و"عزبة عقل". كنا نفطر الفول والطعمية في الثامنة صباحا حين دكت القنابل مطار "شاوة" فانخلعت أساسات بيتنا ذي الثلاثة طوابق، ويومها هرولنا راكضين قافزين السلالم إلى الشارع خوفا وذعرا بنصف هدومنا.

كانت الضربات متتالية، تنخلع لها القلوب، ولم نكن نعرف حجم المصيبة، لأن المرحوم أحمد سعيد كان يصدح في محطة صوت العرب: أسقطنا ثلاثين طائرة.. صاروا خمسين.. صاروا ثمانين..

كان إعلاما حقيرا كاذبا..

روعتنا الهزيمة ورأيت والدي يبكي وينشج بصوت عالٍ كأن أمه ماتت، وحيدا في البلكونة والسماء سوداء رغم الليالي الصيفية والنوافذ المطلية باللون الأزرق، ومداخل البيوت والعمارات سدت تقريبا بسواتر من الطوب الأحمر لحماية الناس..

مضت الأيام ثقيلة حزينة، وكانت سماء المنصورة الصافية أو المسحبة بظلال متباينة وكثافات متدرجة من السحب مثالية للتدريب.

كنا نسمع صوت السوخوى يشق السحب الداكنة ويخرق الآذان، وكنا نخاف في البداية، لكن سرعان ما كان الصوت والتدريبات اليومية بمثابة تقليد يومي وجزءا من حياتنا.

حين تقف في الشرفة وترى طيران جيشك يحلق ويدور ويرتفع ويهبط وينقلب ويتداخل مع طائرة أخرى. ويزأر زئيرا خارقا.. تشعر بالفخر والطمأنينة.

كانت مشاهدة السوخوى بأنواعها المختلفة في صرخاتها اليومية بسماء المنصورة متعة ورسالة.. إنهم يتدربون حتى لا تؤخذ البلاد غدرا.. كما أخذت من قبل.

ومع سماع البيان الأول للقوات المسلحة والثاني والثالث.. وفرحة العبور.. حل يوم هو الرابع عشر من أكتوبر، أي بعد هجوم مصر الشامل بـ٢٢٠ طائرة بأسبوع، بقيادة قائد القوات الجوية الفريق أول محمد حسنى مبارك.. وكما سمعنا صوت الدك المرعب في عام ١٩٦٧، عدنا لنسمع الدك مختلفا هذه المرة.. إنها ضربات صاروخية واشتباكات قتالية استمرت لمدة ٥٠ دقيقة...

ركب فيها الطيار المصرى طائرات العدو الفانتوم والميراج وروعه بالقدرات القتالية المهارية رغم محدودية إمكانيات السوخوى والميج الروسية، سلاحنا الجوى المتاح وقتها.

الطيار المصرى بمهاراته كان خليطا من قدرات الفانتوم الأمريكي والميراج الفرنسية وميج وسوخوى الروسية. كان تلقى تدريب حياة أو موت.. خسرت إسرائيل فوق المنصورة ١٧ طائرة وفقدنا أربع طائرات ولقنا العدو درس العمر، ولم يجرؤ بعدها أبدا على الاقتراب من مدينتى الحبيبة المنصورة.. وطول عمرها منصورة حقا.

ذكريات أثارها الرئيس الأسبق حسنى مبارك وهو يروى بكل الفخر تفاصيل الإعداد لحرب أكتوبر وشجاعة رجال تلك الحقبة المجيدة، الرئيس السادات والمشير أحمد إسماعيل على والفريق عبد الغنى الجمسي الجنرال النحيف المخيف كما تسميه إسرائيل.. وروى ما جرى في سماء المنصورة.. معركة جوية طاحنة أذقنا فيها طيران العدو طعم الهزيمة.

لم نكن نحارب فحسب، بل كنا ننتقم من هزيمة في حرب يونيو لم نخضها.. حرب لم نحارب فيها بل باغتنا العدو بسبب من سوء الإدارة السياسية للمشهد وقتها... بسبب من عبد الناصر.. في المقام الأول... لكن يشفع له لاحقا إعادة بناء الجيش المصرى وفق القواعد والأساليب العالمية الاحترافية.. على يد الفريق أول محمد فوزى رحمه الله.

واليوم لدينا جيش هو العاشر بين جيوش العالم، من حيث القوة والاحترافية والمهارات القتالية وحجم النيران والتنوع القتالى.
وتبقى المنصورة بمطارها وطائراتها وتضحيات أهلها حب الأزل وخفقة التاريخ.
Advertisements
الجريدة الرسمية