رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ما بعد "الممر"


لم أشاهد فيلم "الممر"، ولا أخطط لمشاهدته، ولكن تابعتُ ردود الفعل التي واكبتْ عرضه سينمائيًا وتليفزيونيًا، ومعظمها إيجابى، وقليلها سلبى، ولم يحظَ فيلم في تاريخ السينما المصرية، بما حظىَ به الفيلم المذكور من دعاية تجاوزت حدَّ المنطق.


ومما قيل في مدح "الممر" إنه أعاد إلى السينما المصرية رشدها المفقود وعقلها التائه، بفعل أفلام "السبكى" والذين معه، والتي استطاعت في السنوات الأخيرة أن تجنح بها إلى السطحية، وتغرفها في بحر من الفوضى والضياع، وأهدرتْ على مصر واحدة من أهم قواها الناعمة.

السينما المصرية، في العقد الأخير على الأقل، حادتْ عن جادة الصواب، وتحولتْ إلى سلاح عكسى، تنوَّع تأثيره السلبى، بين إفساد جيل كامل من الشباب، وتشويه صورة مصر في الداخل والخارج. يتعامل المنتجون وجميع عناصر المنظومة الفنية مع السينما بانتهازية رخيصة، وجعلوا هدفهم الأسمى مغازلة شباك الإيرادات، وشعارهم الذي لا يرضون عنه بديلًا: "الجمهور عاوز كدة"!!

كانوا يسخرون من الكتابات النقدية ومن أصحابها ولا يلقون لها بالًا. كما كانوا يتجاهلون الدراسات الاجتماعية والنفسية والدينية التي تحذر من أثر تلك الأعمال الشائهة على الفرد والأسرة والمجتمع. أداروا ظهرهم لكل شيء، ولم ينصاعوا إلا لنزعات شيطانية وأهواء مريضة. من أجل ذلك..

تتعاظم قيمة فيلم "الممر" الذي أحيا الروح الوطنية ورفع الروح المعنوية للمواطنين وأعاد إلى الصدارة قيمة الفن المنضبط والجاد الذي يفيد المجتمع، ولا يضره. كما بثَّ الفيلم قيمًا دينية ووطنية مهمة، وهذا هو دور الفن المنضبط الذي تحتاج له الأسرة المصرية، لإرشاد الناس ونشر الوعي، كما أنه يُعتبر بداية لعودة السينما المصرية الأصيلة، المنشغلة بقضايا وهموم الوطن، والمُعبرة عن المصريين، والساعية لاسترداد الشباب من براثن التطرف، بحسب البيان الصادر عن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية!!

إن ما يجتاح المجتمع المصرى، من انحرافات وسلوكيات شاذة، تتنوع بين: قتل الآباء لصغارهم، وقتل الأبناء لآبائهم، والقتل المتبادل بين الأزواج، وشيوع العلاقات الآثمة، يتطلب نوعية جديدة من الأعمال الفنية التي تبنى ولا تهدم، وتنتصر لقيم الخير والحق والجمال، خاصة في ظل تخلى المدرس والمسجد والكنيسة عن أدوارهم التربوية، وتاريخ السينما المصرية يذخر بكثير من الأفلام الجادة والمهمة والمؤثرة تأثيرًا إيجابيًا.

إذا كان فيلم وحيد مثل "الممر" حقق كل هذا المردود الطيب، فمما لا شك فيه أن هذا المردود الطيب سوف يتعاظم إذا أصبح الفيلم الواحد اثنين وثلاثة وعشرة أفلام. وهذا كله لن يتحقق في ظل انسحاب الدولة من عملية الإنتاج الفنى، كما يحدث الآن.

لا بد من إرادة رسمية تفرض كلمتها، وتصحح مسار السينما المصرية، خاصة في ظل ما تواجهه مصر من تحديات داخلية وخارجية، تتطلب تضافر جميع الجهود لمواجهتها والتصدى لها وكسر شوكتها وتجفيف منابعها. وما ينطبق على السينما، ينطبق أيضًا على الدراما التليفزيونية والإذاعية التي سقطت أيضًا في بئر سحيق من الفوضى والسطحية والدونية. وأخيرًا..

يجب أن يُؤرخ فيلم "الممر" لمرحلة جديدة من صناعة الفن، ويجب أن نبنى على التأثير الإيجابى الذي حققه، إذا كنا نريد إصلاحًا حقيقيًا للفن.
Advertisements
الجريدة الرسمية