رئيس التحرير
عصام كامل

مشروع الأسرة وإعلام التورتة


غلب تريند "أبو تورتة" نظيره الخاص بواقعة الطفلة الشهيدة "جنة" ضحية قوانين قطع الأرحام؛ بفضل إعلام السفه والاستقطاب وتوسيع دائرة الاحتقان المجتمعي، الذي تباشره فضائيات لا تعيش برامجها على غير ما ينشره رواد مواقع التواصل الاجتماعي من عورات أو أكاذيب أو معلومات منقوصة.


حقيقة؛ تغلب إعلام بهذا المستوى؛ وباتفاق غير معنون؛ مع كيانات أرادت تقسيم المجتمع على أساس جندري، على إعلام مجتمعي أجاد التعامل مع أزمات يهمل أسبابها المشرع وتتخلف كثيرا مؤسسات الدولة في مواجهتها مبكرا، لنجد واقعة عريس وعروس التورتة والشبكة الغارقة في الشربات، والتي شغلت الرأي العام بتدوينة لصاحبتها، مثار سخرية مذيعة متهكمة على شاب ينتمى وشريكته المحتملة بتصرفاتهما إلى جيل يعاني إساءة فهم لمشروع الزواج وتجربة بناء الأسرة كلية.

جهرت "مذيعة التورتة" باختلاق فج لأزمة أكبر تكسر بها أولى محاولات تأكيد دور الإعلام وقت الأزمة، وهو تقديم الحقائق مجردة وإتاحة الفرصة لمختصين للتعامل مع الظواهر الاجتماعية المختلفة وطرح تصورات لعلاجها، بدلا من السخرية منها والانتقاص من قيمة أطرافها والنيل من سمعتهم، والوأد المبكر لحقهم في التوعية والمعرفة الأكبر بحقوقهم وواجباتهم.

هكذا الحال؛ قبل أشهر غير بعيدة، مع مذيع شهير بإشعال "حريقة" بين ضيوفه، قرر مناقشة ظاهرة احتفال مطلقات مختلعات بخراب بيوتهن جهرا على مواقع التواصل الاجتماعي وفى حفلات "التورتة" والرقص، دون أن ينتبه لضيفته بطلة الحدث وهى تؤكد لجمهوره أن خلاصها من زيجة استمرت ٤ سنوات؛ جاء خلال أشهر قليلة بحكم محكمة؛ عقب قضائها ثلاث سنوات ونصف منها ببيت عائلتها! قبل أن تصطنع فرحتها "المفاجئة" أمام جمهور صفحتها وجمهور شاشة "الحلم" التي كان يظهر عليها في العاشرة من كل مساء.

بين الحلقتين؛ كانت قضية من صلب مجتمع تنهار قيم الأسرة داخله، أكثر تأكيدا على اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر داخل مشروع الزواج، حينما تلجأ سيدة لطلب التطليق مخالعة من زوجها الشاب؛ بعد أسابيع من منحه لها جزءا من كبده؛ أو ربما كليته؛ ليعيد لها الأمل في الحياة.

ولم تنته "مذيعة التورتة" من حلقتها الخارجة عن كل قيمة إيجابية؛ حتى كانت قضية "فسخ عقد زواج" تغزو صفحات المواقع الإخبارية؛ رفعها حلاق لأن زوجته أتمت خطبتها من آخر؛ بينما لا تزال بعصمة زوجها، الذي تركت له رضيعها يرعاه، بإيعاز من أمها الطامحة لها في "سفرية للخليج"، وبابتزاز صريح للزوج بعبارة النشوز المتكررة "لو عندك كرامة طلقني"، ضمانا للشبكة وقائمة المنقولات ونفقات العدة والمتعة والمؤخر وغيرها.

بنفس العين؛ تقرأ قبل ساعات خبرا من عينة "زوجة تطلب التطليق مخالعة بعد أن ضبطت شريك حياتها في سريرها بأحضان أختها"، ولا يشد انتباه تلك الشريحة "المؤمنة" من عينة مذيعة "التورتة" ومذيع "الحريقة"؛ وهما يناقشان أزمات المجتمع دون إرادة أو قدرة على محاولة تقويم أطرافها.

أي عنف وبلطجة بات الإعلام غير المسئول يمارسهما ضد مجتمع تنتقل إليه قيم الانتهازية والإسفاف والتبجح عبر الكاميرات والأقلام، ليكمل دور سينما لصوص الشوارع والعري والبغاء المقنع، قبل أن تتدخل مواقع التواصل الاجتماعي لتصبح وسيلة للاستعداء وتبادل الخبرات والتجارب السلبية والشاذة.

وأي محتوى هذا الذي تسمح به أجهزة شرعنت قوانين عملها القفز على عورات وتعميق جراح طبقات وأجيال؛ لا تضييق على أحلامها أكبر مما تباشره تشريعات وبرامج نشر الشقاق والفرقة على أساس الجنس.

الوجبات السريعة المليئة بسموم تهدد أبناءنا وبناتنا من عينة برامج التورتة والحريقة؛ يفهم منتجوها وحدهم أهدافها، ويتعثر المترددون أمام تفسيرها؛ ويتلكأ المراقبون في مواجهتها، ربما لأن من أراد بمجتمعنا سوءا وبأبنائنا تدميرا؛ أراد بسمعة إعلامنا ما آلت إليه الآن، لتكون عينة هذه وذاك من المذيعات والمذيعين عنوانا لتعطل مشروع قومي توعوي؛ بفعل تصدرهم المشهد.
الجريدة الرسمية