رئيس التحرير
عصام كامل

النيران الأمريكية تشتعل من جديد!


المشروع الاستعماري الغربي ضد الأمة العربية مشروع قديم ومعلن، وعلى الرغم من ذلك يتعامل معه العرب باستهتار شديد وكأنه ليس موجودا، وبعيدا عن الرجعية الخائنة والعميلة والتي تعاونت مع المشروع الاستعماري الغربي وأدت أدوارا وظيفية في خدمته، من أجل مساعداتها على البقاء في سدة الحكم، فإن الدول العربية تعاملت مع المشروع بتهاون وتجاهلت وجود هذا المشروع من الأصل، لذلك لم تسع لمحاولة إجهاضه، وهو ما أدى إلى نجاح المشروع في تحقيق أهدافه المعلنة على مدار ما يزيد على قرن من الزمان.


وبدأت معالم المشروع المعلنة في الظهور في مطلع القرن العشرين عندما ظهر التقرير النهائي لمؤتمرات الدول الاستعمارية الغربية الكبرى في عام 1907، والذي قرر أن منطقة شمال أفريقيا وشرق البحر الأبيض المتوسط هي الوريث المحتمل للحضارة الغربية الحديثة، لكن هذه المنطقة تتسم بالعداء للحضارة الغربية، لذلك يجب العمل على تقسيمها، وعدم نقل التكنولوجيا الحديثة إليها، وإثارة العداوة بين طوائفها، وزرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي، هذه هي الأهداف الكبرى المعلنة للمشروع الاستعمارى الغربي ضد أمتنا العربية. 

فماذا فعل المشروع لتحقيق أهدافه؟ وماذا فعل العرب لإجهاض مشروع المؤامرة عليهم منذ ذلك التاريخ؟

وللإجابة على السؤال الأول يمكننا القول إن المشروع الاستعماري الغربي قد نجح في تحقيق أهدافه المعلنة بشكل تدريجى منذ ذلك التاريخ، فبالنسبة للهدف الأول المتعلق بعملية التقسيم فقد نجح عبر اتفاقية "سايكس – بيكو" 1916 بتقسيم الأراضى العربية في المنطقة الواقعة بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي كما جاء في التقرير.

وبالنسبة للهدف الثانى للمشروع والمتمثل في عدم نقل التكنولوجيا الحديثة لمجتمعاتنا العربية، فقد نجح المشروع قديما وحديثا في حرمان مجتمعاتنا العربية من التكنولوجيا الحديثة، وتمكن من تحويلنا لمجتمعات مستهلكة للتكنولوجيا.

وفيما يتعلق بالهدف الثالث للمشروع والمتمثل في إثارة العداوة بين طوائفها، فقد نجح المشروع قديما في ذلك لكنه لم يكن بالشكل الواضح الذي يتم تنفيذه الآن فعملية التقسيم والتفتيت على الأسس الطائفية والمذهبية والعرقية، قد أصبحت معلنة خاصة في الدول التي تتميز تاريخيا بهذا التنوع الطائفي والمذهبي والعرقي.

أما الهدف الرابع للمشروع والمتمثل في زرع جسم غريب عنها يفصل بين شرق البحر الأبيض المتوسط والشمال الأفريقي، فقد نجح المشروع قديما وعبر "وعد بلفور" عام 1917 في منح اليهود إنشاء وطن قومى لهم في فلسطين، تحول إلى –دولة مزعومة معلنة– عام 1948 ومازالت قائمة وتتمدد حتى اليوم.

وبالطبع لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية من بين القوى الاستعمارية الغربية الكبرى عندما انطلق المشروع في مطلع القرن العشرين، لكنها جاءت لاستكمال المشروع بثوب جديد عرف بمشروع "الشرق الأوسط الجديد"، والذي يعتمد على إشعال النيران داخل مجتمعاتنا العربية، فكلما هدأت وخفتت في مكان عاود الأمريكى لإشعالها من جديد، ليظل مستفيدا على عدة مستويات، لعل أقلها هو نهر الأموال المتدفقة على خزانته مرة بفعل التبعية الاقتصادية ومرات بفعل شراء السلاح، ومرات أخرى بفعل الحماية الوهمية من أعداء وهميين صنعهم لنا على أعينه ليبتزنا لنقدم له ثروات أوطاننا طواعية.

ولعل الشواهد الآن أصبحت عديدة، فليس من المصادفة كلما اقترب مجتمع عربي من سورية العربية المقاومة للمخططات الأمريكية والتي هزمت مشروعها على الأرض العربية السورية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر هزيمة وكلاؤها الإرهابيين أن تجد النيران تشتعل داخل هذا المجتمع العربي.

فتأييد الجزائر الدائم لسورية عبر سنوات الحرب الكونية عليها جعل النيران تشتعل بها مؤخرا لتقودها إلى عدم الاستقرار، ولتذكرها بالعشرية السوداء، وزيارة البشير المفاجأة لسورية أطاحت به خارج السلطة بعد اشتعال النيران بالداخل السودانى، وتأكيد الرئيس "السيسي" على أن سورية تعرضت لمؤامرة خارجية، وأن الإرهاب مدعوما من قوى إقليمية ودولية، جعل الأمريكى يسعى بكل طاقته وعبر أتباعه الإقليميين في تركيا وقطر ووكلائه الإرهابيين بالداخل لإعادة إشعال النيران من جديد بالداخل المصرى. 

وما يحدث في العراق بعد فتح معبر البوكمال -القائم مع سورية جعل النيران تشتعل بقوة بالداخل العراقى، وبدأ اللعب مجددا بالورقة الطائفية البغيضة دون اقتراب الثوار من التواجد الأمريكى والصهيونى ولا الثورة عليهما، وبالطبع حال لبنان يعلمه الجميع فتواجد المقاومة بجوار سورية منذ اللحظة الأولى جعل الأمريكى والصهيونى يشعلان النيران بالداخل اللبنانى عبر حصار اقتصادي رهيب يفوق قدرات الدولة على تحملها.

وفيما يتعلق بالإجابة على السؤال الثانى ماذا فعل العرب لإجهاض أهداف المشروع الاستعماري الغربي؟ فالإجابة القاطعة تقول إننا فشلنا في المواجهة بل تعاملنا مع المشروع بتهاون شديد، ونجح العدو الغربي قديما وحديثا في تجنيد الرجعية العربية لتكون أدوات وظيفية يتم بها تنفيذ أهدافه، ووقفت باقى المجتمعات متفرجة وكأنها غير معنية بالاستهداف.

لكن رغم ذلك كان هناك دائما أمل في بعض القوى العربية الواعية لأبعاد المشروع الاستعماري الغربي وأهدافه التآمرية، والتي سعت دائما إلى مواجهة التقسيم بالوحدة، ومواجهة عدم وصول التكنولوجيا الحديثة بالاعتماد على النفس عبر مشروع تنموى مستقل، ومواجهة إثارة العداوة بين الطوائف بزيادة اللحمة بين المكونات الطائفية والمذهبية والعرقية، ومواجهة الجسم الغريب المزروع بالتصدى لهذا العدو الصهيونى والسعى لاقتلاعه، إنه مشروع المقاومة يا سادة.

لذلك لا بد أن تعي شعوبنا العربية حقيقة المؤامرة الأمريكية، ويجب ألا يتم استخدامهم كوقود لإشعال النيران داخل مجتمعاتهم، وأن يتم الاصطفاف خلف المقاومة وتوسيع دائرتها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية