رئيس التحرير
عصام كامل

صناعة النفاق


صناعة النفاق هي الأكثر رواجًا في الوقت الحالي، ربما لأنها لا تحتاج إلى مكان ولا رأس مال ولا معدات ولا دراسات جدوى، أما موادها الخام فهي ضمير ميت لا يؤنب صاحبه عندما يكذب أو يفجر في خصومته، وعقل مغيب، ووجه لا يعرف الحياء وهي مواد متوفرة في كل زمان ومكان، ورغم عدم كلفة هذه الصناعة إلا أنها مربحة ماديًا لمن تتوفر فيه مهارات محددة مثل القدرة على المراوغة وتحمل نظرات الاحتقار وصم الآذان عن السباب.


وتتجلى صناعة النفاق في تلك المشاهد التي نراها يوميًا على شاشة قناة الجزيرة وما تبعها من قنوات داعمة لجماعة الإخوان، وفي بعض القنوات المصرية أيضًا تتجلى نفس الصناعة، فعلى شاشة الجزيرة وأخواتها ينتشي المذيعون (وللأسف أغلبهم مصريين) مع كل أزمة تمر بها مصر، وآخرها أزمة سد النهضة..

فقد أعمى الفجر في الخصومة السياسية هؤلاء المذيعين عن المشكلات التي قد يتعرض لها ذويهم في مصر بسبب أزمة المياه، وراحوا يكيلون الاتهامات ويشمتون، وتكسو الابتسامة وجوههم مع كل تصريح يحمل تعنتًا من الجانب الأثيوبي، ضاربين بمهنية يدعونها عرض الحائط، فالأزمة فقط دون البحث عن حلول هي شغلهم الشاغل، وشخص رئيس مصر هو المستهدف في كل برامجهم.

أعلم أن من يعملون بالجزيرة وغيرها من قنوات الخارج ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي يعودون فيه إلى مصر، لكن فجرهم في الخصومة ونفاقهم للقيادتين القطرية والتركية غيب عقولهم وأعماهم حتى عن أهاليهم فتمنوا لهم الموت عطشًا، وانبروا في استضافة من يدينون النظام المصري ويحملونه المسئولية دون إدانة للحكومة الإثيوبية، بل انخرط بعضهم في الدفاع عنها، وعن حقها في تنمية لم ينكرها عليها الجانب المصري نفسه.

وفي بعض قنواتنا انخرط المذيعون في البحث عن المتسبب في بناء إثيوبيا لسد النهضة، وبدأ البعض في فتح النيران على الجانب الأثيوبي، وهناك من لوح بحرب وشيكة، وكأنهم تعمدوا هدم كل جسور الدبلوماسية التي يسلكها الجانب المصري، متناسين أزمات تسببوا فيها مع دول شقيقة بسبب الرعونة في الطرح.

الواقع يؤكد أن سد النهضة أصبح أزمة، لذلك يحتاج إلى إعلام أزمة، وهذه حرفة غابت عن إعلامنا بسبب غياب الوعي والرغبة في النفاق واختفاء كوادر حقيقية تدرك حجم التحديات التي تواجه مصر في الفترة المقبلة.
besherhassan7@gmail.com
الجريدة الرسمية