رئيس التحرير
عصام كامل

خطاب مفتوح لـ«رئيس هيئة الرقابة الإدارية» (4)


يحدثنا "أحمد خالد مصطفى" في روايته "أرض السافلين"، فيصفها بأنها "الأرض التي تخون فيها زوجتك وتبيع فيها دولتك وتكفر فيها بربك.. ولا تبالي، فكل قانون على الأرض سقط وكل قناع على هذا الوجه انكسر، ولم تعد فيه إلا سافلًا تسير مع السافلين.. ولا تبالي"..


ونحن من جانبنا نعرض قصصًا من واقعنا، أبطالها من تلك الفئة التي تبيع دولتها، والقاسم المشترك بينهم وبين سكان "أرض السافلين" أن الجاني من هؤلاء أولئك، لا يبالي..

ونترك الرواية لمن أرادها فهي داخل أكشاك الجرائد وأرفف المكتبات، أما قصصنا فهى مخبأة في أدراج المجرمين، أما نحن فنسترجع إحدى قصص الفساد التي لم تلق اهتمامًا من أي جهة ونطرحها اليوم مُجددًا عبر هذا الخطاب المفتوح بين يدى الوزير "شريف سيف الدين"، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، تسليطًا للضوء على أوضاع مقلوبة ومخالفات وفساد صارخ آملين من سيادته التدخل الحاسم، لوضع الأمور في نصابها الصحيح، ومحاسبة المخالفين، ردعًا لهم ولغيرهم.

في هذا الخطاب نطرح مرة أخرى قضية فساد إداري من العيار الثقيل، جرت فصولها داخل جدران وزارة التربية والتعليم، وأروقة محافظة القاهرة، ولها انعكاساتها السلبية على التعليم في مصرنا المحروسة، ونتوجه بها بوصفنا شركاء في حماية هذا الوطن إلى رئيس هيئة الرقابة الإدارية، الوزير شريف سيف الدين، لوضع حد لهذا العبث الذي يضرب حتمًا العملية التعليمية في مقتل.

بدأت القصة حين أصدر "طارق شوقي"، وزير التربية والتعليم القرار رقم (281) لسنة 2017 في 17 أغسطس 2017 بتكليف "محمد عطية" الذي يشغل وظيفة مدير إدارة تعليمية بالقاهرة بتسيير أعمال وظيفة وكيل المديرية، وبعد أقل من ستة أشهر، وتحديدًا يوم 14 فبراير من العام الماضي 2018 أصدر محافظ القاهرة القرار رقم (1379) بتفويض محمد عطية، أيضًا في القيام بأعمال وكيل أول وزارة و"مدير المديرية" التي يتعين ألا يتم شغلها إلا بقرار من رئيس الوزراء أو ندب من يكون بدرجة وكيل وزارة، بالمخالفة لقانون الخدمة المدنية (رقم 81 لسنة 2016) الذي لا يعرف مسمى "التكليف" أو "التفويض" لتسيير الأعمال أسلوبًا لتولي الوظائف المهمة.

وبهذا القرار الأخير، فإن محافظ القاهرة، يكون قد خالف قانون الخدمة المدنية واغتصب اختصاص رئيس الوزراء، المفوض من رئيس الجمهورية، بالقرار الجمهوري رقم 279 لسنة 2018، بإصدار قرارات التعيين بالوظائف القيادية.. إذ إن المادة 21 بقانون الخدمة المدنية تختص الرئيس أو مَن يفوضه، بإصدار قرارات التعيين في الوظائف القيادية والإشرافية، للفائزين في المسابقات التي تجري لهذا الغرض، طبقا للإجراءات المنصوص عليها بالمادة 17 بذات قانون الخدمة المدنية.

وبالتالي، فليس من اختصاص محافظ القاهرة، أو غيره سلطة إصدار قرار تعيين مدير مديرية تعليم العاصمة، حتى ولو زعم المحافظ في قراره، أن هذا تفويض لـ(محمد عطية)، لـ"القيام بأعمال" مدير مديرية تعليم العاصمة، لأن هذه الوظيفة من وظائف "الدرجة الممتازة" ولا يتم شغلها إلا بقرار من رئيس الوزراء أو ندب من يكون بدرجة وكيل وزارة.. بينما "عطية" مدير إدارة تعليمية.

ومن شأن قرار المحافظ الذي لا يزال معمولا به حتى الآن، أن يُؤدي إلى انهيار في العملية التعليمية على مستوى العاصمة، لأن من يديرها منفردًا مدير إدارة تعليمية، ويتولى كافة الوظائف القيادية بها، رغم وجوب أن يكون مدير المديرية بدرجة "وكيل أول وزارة" بالإضافة إلى وكيلين للمديرية بدرجة "وكيل وزارة" لكل منهما، يصدر رئيس الوزراء قرارات بتعيينهم.

والمخالفة القانونية الجسيمة في قرار تكليف "عطية"، بإدارة العملية التعليمية في القاهرة، فهو مكلفًا أيضًا وفقًا لقرار وزير التربية والتعليم المنوه عنه عاليه بـ"تسيير أعمال" وظيفة "وكيل المديرية" التي تعادل درجة "وكيل وزارة"، بالمخالفة الصارخة لقانون الخدمة المدنية، التي أناطت بالسلطة المختصة "ندب" وليس "تكليفا أو تسيير أعمال" الموظف للقيام مؤقتًا بعمل وظيفة أخرى من المستوى الوظيفي لوظيفته، أو من المستوى الوظيفي الذي يعلوها مباشرةً.

ويعلم التربويين بـ"تعليم القاهرة" أن المفوض في القيام بأعمال مدير مديرية التربية والتعليم وفقًا لقرار محافظ القاهرة يحضر لجنة التعليم الخاص باعتباره رئيسًا لها، بوصفه مكلفًا من طارق شوقي بتسيير أعمال وكيل المديرية رغم مخالفة ذلك للمادة ٥٩ من القرار الوزاري بشأن التعليم الخاص رقم ٤٢٠ لسنة 2014، ويترأس تلك اللجان التي تصدر "قراراتها" ولا تعتبر واجبة التنفيذ إلا بعد إعتماده بوصفه مديرًا للمديرية، والذي يملك وحده الاعتراض على أي من الموضوعات، وإعادتها للمناقشة مرة أخرى، إلا إنه ورغم هذا كله، يعتمد قراراتها، ويصدرها، منفردًا، بما يؤكد أن قرارات لجنة التعليم الخاص بزيادة مصروفات وكثافات فصول المدارس الخاصة بالعاصمة تصدر دون رقابة حقيقية.

وهناك سؤال يتردد بين التربويين: هل إختفت الكفاءات ممن يصلح مديرًا لمديرية تعليم القاهرة ووكيلين لها؟ أم أن الإجراءات القانونية ستأتي بأشخاص لا يخالفون القانون ويرفضون المجاملات، وقد يغردون خارج سرب البوم الذي يسعى للخراب ولا يهنأ إلا في الظلام ويرتع مع السافلين.

ونؤكد عبر هذا الخطاب المفتوح أن فساد العملية التعليمية يهدم حاضرنا ومستقبلنا ولا يملك أولياء الأمور وأبنائهم الطلاب من أمرهم شيئًا، ولذلك يتعين علينا جميعًا أن نفتش عن من يريدون هدم البناء من الداخل، بأسلحتهم الناعمة التي تظهر في صورة قرارات خاطئة تخالف القانون وتنكب طريق الصالح العام.. وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية