رئيس التحرير
عصام كامل

رجعوا التلامذة وغاب الآباء عن الطابور


بمقدور وزير التعليم أن يسهم بجزء من حل لأزمات نفسية لأطفال الشقاق من أبناء المدارس؛ بدلا من زيادة تعقيدها ومحاصرة محاولات التصدى لها من قبل أقرب الناس لهم؛ الأب أو الأم غير الحاضن.


قرار وزير التعليم بحق الولاية التعليمية للحاضن؛ وقصر حق غير الحاضن على المتابعة التعليمية للطفل عبر الاطلاع على الأوراق الخاصة بتقديراته الدراسية فقط، يسهل طريق الكثير من تلاميذ المدارس نحو التوحد والتنمر والعنف؛ لما أسهمت به تداعيات قوانين الأسرة من عزلة لهم وتدمير لنفسيتهم، وجعلت علاقاتهم بأحد والديهم تمر عبر مسار تقاض طويل غير مجد.

مشهد قاس على الملايين من أطفال الشقاق؛ حينما يعود التلامذة لمدارسهم وينطلق طابور الصباح؛ ينظرون حولهم؛ فلا يجدون آباءهم أو أمهاتهم "الطرف غير الحاضن"، بين الحضور المرحبين بهم وزملائهم؛ والداعمين لهم في موقف لا يحتمل تقديرا مختلفا لمزايدين عليه.

حقيقة؛ بيد وزير التعليم تطبيق مبسط لولاية تعليمية مشتركة بتقديمه لولاية الأب على النفس ومطالبته أولا بسداد المصروفات الدراسية عن ابنه؛ ما لم يعف منها باعتباره ابن شقاق أو لأسباب أخرى؛ وهى خطوة إذا قامت بدراستها إدارة الشئون القانونية بوزارته؛ ستوفر على ملايين الأمهات المطلقات إجراءات التقاضي في نفقات دراسية تستمر محاولات استرجاعها نحو ٣ سنوات على الأقل حال التزام الأب بتنفيذ الحكم القضائي.

ويستطيع وزير التعليم؛ الارتقاء بمستوى الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين بالمدارس إذا ما أسهم بقراره في تفعيل دورهم الحقيقي والأصيل في التعامل مع الحالة النفسية للطفل؛ وجعله أقرب لأحد والديه غير الحاضن، عبر التواصل معه خلال فترة النشاط الطلابي الصيفي والتمهيد للعام الدراسي الجديد وحصر احتياجات الطفل المادية به من خلال ما تقرره هيئة التدريس وإدارة المدرسة من مستلزمات؛ يكون على الأب الحضور بها لابنه بمدرسته وتسليمها رسميا بمذكرة معتمدة بخاتم إدارتها؛ تكون حجة في مواجهة أية إساءة لحق التقاضى؛ وسيرى الوزير بنفسه كم تغيرت نفسية هؤلاء.

سيرى الوزير كيف تختفى ظاهرة العنف المدرسي لدى التلاميذ أبناء الشقاق؛ المصابين بالقهر جراء غياب أحد والديهم عن استقبالهم في طابور الصباح؛ أو متابعتهم وزيارتهم بين الحين والآخر والظهور أمام معلميهم لحل مشكلاتهم والاهتمام بشأنهم، وسيعرف الوزير أن قيمة أكبر للإخصائي الاجتماعي والنفسي تعرفها أنظمة التعليم في البلدان المتقدمة والشقيقة العربية؛ كانت وراء قفزات كبيرة في مستويات أبنائها العلمية.

أقدم هذه النصائح لوزير التعليم؛ وأدرك حجم الكارثة التي تسببت فيها القوانين والقرارات واللوائح المحاصرة لعلاقة طفل للشقاق بأبيه أو أمه غير الحاضن، والتي لم تتح له بعد خروجه إلى مجتمع أوسع من أربعة جدران لمسكنه؛ سوى علاقات مهلهلة مع غرباء بعيدا عن أحد والديه، وصراعات نفسية متزايدة وغيرة متصاعدة تجاه أقرانه المستقرين بين آبائهم وأمهاتهم؛ وشعور بالضعف أمامهم.

لا تزال الأزمة قائمة لهؤلاء؛ ولا تقدم مجالس "الآباء" حلا أو تصورا لحل، وهى ذات اسم لا ينطبق عليها تماما؛ ما دام هناك آباء لا يحق لهم دخول مدارس أبنائهم والتواصل مع إداراتها بشأن مستقبلهم، ولم تقدم لجان المتابعة والتوجيه تصوراتها للتعامل مع المشكلة؛ لتتحول وزارة التعليم بأدائها الحالى وقراراتها إلى جزء من أزمة التلاميذ أبناء الشقاق.

النتيجة؛ إما أن تقدم للمجتمع وسوق العمل خريجا متفوقا علميا معزولا اجتماعيا لا يستطيع مباشرة دور حقيقي في خدمة وطنه؛ أو تزيد أزمات العملية التعليمية بإسهام في فرض حصار مجتمعي أكبر على التلاميذ أبناء الشقاق بحرمانهم مشاركة أحد أبويهم في ارتقائهم؛ والإضرار بصحتهم النفسية.

أتصور أن دعوة وزير التعليم الآباء وأولياء الأمور لمناقشة سبل تفعيل دور إدارات مدارس الوزارة في خدمة ودعم التلاميذ أبناء الشقاق؛ وضمان استقرار نفسي لهم يخدم تفوقهم الدراسي ويكمله؛ ويقضي على مظاهر العنف والتنمر والتوحد بينهم؛ ستكون خطوة مهمة إذا ما بدأ في اتخاذها.

وليس أقل من دعوة كل طرف غير حاضن لتذكر اليوم؛ أول أيام الدراسة؛ كفرصة لمتابعة ومعايشة يوميات ابنه ودعمه نفسيا؛ بعيدا عن ساعات الصراع الغبي داخل مراكز الرؤية كل جمعة، وداخل محاكم الأسرة؛ والتي حولت أطفالا بالقانون إلى سلعة يستمتع بعرضها وامتلاكها مرضى نفسيون.
الجريدة الرسمية