رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

إنه بن لادن.. خلاف الشيخ والمملكة


في وسط مشوار "أسامة بن لادن" الطويل لا يمكن إغفال علاقته ببلده، التراب الذي خرج منه والأرض الذي تربى عليها، يزداد هذا لغزًا حين تكون العلاقة بين أسرة توطدت علاقتها بالحكّام وبدلًا من أن يكون «أسامة» أحد سفراء المملكة أصبح أحد وصمات العار التي لاتزال بلاد الحرمين تحاول التخلص منها حتى الآن.


قلنا إن "أسامة" ينتمي لأسرة "بن لادن" العريقة، أبه شارك الملك "سعود" في بناء عدة مشروعات قبل أن تصبح شركته هي الأشهر في مجالات المقاولات في السعودية، والمسئولة عن بناء المملكة الحديثة، في ظل هذا الطقس الأسري نشأ "أسامة" رغم وفاة أبيه المبكرة لكنه كان يعرف جيدًا أن له وضعه الخاص في بلاده.

ولوضع الأمور في نصابها، فإنه في عام 1979 وتحديدًا منذ قيام الثورة الإيرانية برداء ديني وتحقيقها انتصار أبهر العالم، اختلف الوضع في المملكة السعودية التي انتهجت نهج أعنف من الناحية الفكرية وبات المذهب السلفي المتشدد هو منهجها كسلاح ردع أمام المد الشيعي بحسب معطيات هذا الوقت.

هذا السياق هو ما جعل إرسال شباب عرب للجهاد في أفغانستان أمرًا عاديًا بل ومُرحبًا به، وفي هذا السياق أيضًا تحرك "أسامة بن لادن" وساعد المجاهدين قبل أن ينخرط بينهم ويصبح قائدهم لاحقًا، لم يكن هناك ما يضايقه ولم تكن الحكومة السعودية قلقة في أي شيء، لكن عودته لبلاد الحربية بعد انتصار المجاهدين كان بداية الأزمة.

شاب يشعر إنه انتصر على الاتحاد السوفيتي بأسلحة بسيطة ورائها فكرة راسخة، لماذا يحيد عنها، هكذا انطلق "أسامة بن لادن" مزهوًا بانتصاره ويدعو الناس للإيمان بالفكرة المتشددة، ولم يكد يهدأ حتى بدأت أزمة الخليج وكان موقف "أسامة" واضحًا ضد "صدام حسين" العلماني فيقول "عمر" نجله عن ذلك «طالما أزدرى أبي "صدام حسين" لأنه غير مؤمن، وبلغ قلقه بأن "صدام" الذي أثقلته الديون قد يطمع في جاراته الغنية فبدأ في الكشف عن أفكاره الخاصة، واتبع عادة خطيرة استخدم فيها المساجد وأشرطة التسجيل لتعميم مشاعره وقد وزعت على نطاق واسع على السكان السعوديين»

تلك الشرائط كانت بداية امتعاض العائلة المالكة من "أسامة بن لادن"، لكن الأمور لم تثبت فسرعان ما اجتاح "صدام حسين" الكويت، وهنا بات الجميع في حيرة من الأمر، أما "أسامة بن لادن" فقط عرض مباشرة على بعض أمراء العائلة المالكة أن يحارب برجاله البالغ عددهم عشرة آلاف، ولم يكن "أسامة" زعيمًا له هذا الثقل في تلك الفترة لكنه كان يملك أموال، أما العائلة المالكة فاختارت عدم الاصطدام في الوضع الراهن فلم ترفض لكنها لم توافق، ليس هناك إدارة سياسية توافق على خلق جيش موازي ما إن يفرغ من مهمته حتى يتجه إليها.

عدم رد العائلة المالكة زاد غضب "أسامة بن لادن" تجاه العائلة المالكة في السعودية خاصة حين وصل الأميريكيون مصحوبين بضجة كبيرة ومحاولين إقناع العائلة المالكة بالسماح للجيش الأمريكي بغزو "صدام"، يقول "عمر بن لادن": «سرعان ما اكتشف والدي لصدمته إنه تم تجاهل عرضه الدفاع عن المملكة وعلم من وسائل الإعلام العربية بأنه سيتم إنشاء ائتلاف ضخم من القوى العسكرية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن السعودية وهو لطالما آمن بأنه في وسع قوته المحاربة وإيقاع هزيمة منكرة بـ"صدام" وسمعته يسأل ببغض شديد هل جيوش "صدام" أقوى من الروس الجبابرة نحن لا نحتاج للأمريكيين وعبر والدي عن مشاعره المريرة للعائلة والأصدقاء المقربين لكنه لم يفصح عنها علنا لأنه بقى مؤيدًا للعائلة المالكة»

لحظة تبدل الولاء ظهر تحديدًا في تلك الفترة، يقول "عمر بن لادن": «سرعان ما تبدل ولاء والدي للمملكة ودعاني في أحد الأيام واقترب أحد الموظفين من أبي وبدا التوتر واضحا حتى بالنسبة إلىّ وامتقع وجه والدي وذلك حين سمع أن قوات الحكومة داهمت مزرعتنا في جدة، وعلمنا بأن قوات سعودية مدججة بالسلاح طوقت المزرعة ثم أوقفت العمال المحاربين فيها، وتدبر والدي منذ عودته من أفغانستان لمائة من مقاتليه المجاهدين الحصول على تأشيرات من السعودية، وجعلهم يستقرون في مزرعتنا في غزة وقد منعوا من دخول بلدانهم واتبع الموظفون تعليمات أبي فانصاعوا للأوامر»

هل كان هذا التصرف من المملكة خوفًا من أي خطوة من جانب "بن لادن" قد تُطيح بالتفاهمات الدولية، أم أن عرض "أسامة بن لادن" بالدفاع عن المملكة كان جرس إنذار إلى ما يدور في ذهن هذا الشاب الذي يملك ملايين الدولارات وله رجال وأتباع، المهم أن "أسامة بن لادن" سرعان ما أجرى اتصالاته وكان الرد مماطلًا.

أما لحظة التمرد الحقيقية من جانب "أسامة بن لادن"، أو بين الولد ووطنه بدأت حين دخلت الجيوش الغربية أرض المملكة ليقول بحسب رواية ابنه "عمر": «نساء يدافعن عن رجال سعوديين لا يمكن إهانة أن تكون أشد سوءا وأصبح محبطا إلى حد الإعلان إنه لم يعد يستطيع القبول بالتلوث الذي ادعى إنه يحوم في الهواء من فوق المسلمين، وأفلت سيلا من الانتقادات مهاجما بالكلام العائلة المالكة والأمريكيين والبريطانيين، وأي شخص اعتبر أنه يعمل ضد مصلحة الإسلام، وتحدث في الجامع المحلي وأرسل منشورات وسجل شرائط وكلها تنتقد الحكومة التي زعم أنها تجعل من السعودية مستعمرة لأمريكا»

موقف "أسامة بن لادن" كان موقف كثيرين أيضًا من أبناء الشعب السعودي، لكنه الوحيد الذي اتخذ هذا الغضب مبررًا لإنشاء تنظيمه الإرهابي وربما لا يمكن فصل ذلك عن شخصيته نفسها وأفكاره الإرهابية.
Advertisements
الجريدة الرسمية